ماذا تفعل؟
تُعد حماية الأطفال من أي شكل من أشكال الإساءة، بما في ذلك التحرش الجنسي، مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق الجميع: الوالدين، المربين، أفراد الأسرة، وحتى أفراد المجتمع. ورغم حساسية هذا الموضوع وصعوبة الحديث عنه، إلا أن الوعي بالعلامات التحذيرية المبكرة يُعد خط الدفاع الأول والأكثر أهمية لإنقاذ الأطفال من هذه التجربة المؤلمة التي قد تترك آثارا عميقة ومستمرة على حياتهم.
إن التحرش الجنسي بالأطفال جريمة خفية غالبًا ما تحدث في صمت، وقد لا يدركها المحيطون بالطفل إلا بعد فوات الأوان. لذا، فإن معرفة الأعراض الأولية التي قد تظهر على الطفل، سواء كانت سلوكية، نفسية، أو جسدية، تُمكننا من التدخل في الوقت المناسب وتقديم الدعم والحماية اللازمين للضحية. هذا المقال يهدف إلى تسليط الضوء على هذه العلامات بلغة مبسطة ومناسبة للجمهور العام، لزيادة الوعي وبناء مجتمع أكثر قدرة على حماية أطفاله.
الأسباب
قبل الخوض في الأعراض، من المهم فهم الأسباب التي تجعل اكتشاف التحرش الجنسي بالأطفال أمرا صعبا ومعقدا. هذه الأسباب قد تعيق الطفل عن الإفصاح، وتجعل الكبار يغفلون عن الأساليب الذي يلجئ إليها المتحرش للإيقاع بضحيته ومنها:
الخوف والتهديد: غالبا ما يقوم المتحرش بتهديد الطفل أو أسرته، مما يجعله يخاف من الإفصاح عن ما حدث. قد يُهدد المتحرش بإيذاء الطفل أو عائلته، أو بفضح الطفل نفسه.
الشعور بالخزي والذنب: قد يشعر الطفل بالخزي أو الذنب تجاه ما حدث، خاصة إذا أقنعه المتحرش بأنه هو المسؤول أو أنه فعل شيئًا خاطئًا.
التلاعب العاطفي: قد يستخدم المتحرش أساليب التلاعب العاطفي، مثل إظهار الحب أو الاهتمام المبالغ فيه، أو تقديم الهدايا، لجعل الطفل يشعر بالارتباط به أو بالولاء له.
الجهل بما يحدث: الأطفال الصغار قد لا يدركون أن ما يحدث لهم هو أمر خاطئ أو تحرش، خاصة إذا كان المتحرش شخصًا موثوقًا به أو قريبًا منهم.
صعوبة التعبير: قد يجد الأطفال، خاصة الصغار منهم، صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو وصف ما حدث لهم بسبب نقص المفردات أو الخوف من عدم التصديق.
الإنكار من الكبار: في بعض الأحيان، قد ينكر الكبار المحيطون بالطفل إمكانية حدوث مثل هذا الأمر، خاصة إذا كان المتحرش شخصًا لا يُشتبه به.
الأعراض السلوكية
تُعد التغيرات في سلوك الطفل وحالته النفسية من أبرز المؤشرات التي يجب الانتباه إليها. هذه التغيرات قد تكون مفاجئة أو تدريجية:
الأعراض السلوكية والنفسية مثل:
التغيرات المفاجئة في السلوك: قد يصبح الطفل فجأة منعزلا، أو عدوانيا، أو خائفا، أو يظهر سلوكيات لم تكن موجودة من قبل.
الانسحاب الاجتماعي والعزلة: يميل الطفل إلى الابتعاد عن الأصدقاء والأنشطة التي كان يستمتع بها سابقا. وقد يفضل البقاء وحيدا أو يتجنب التجمعات العائلية.
الخوف والقلق المفرط: يظهر الطفل قلقا غير مبرر، أو خوفا شديدا من أشياء أو مواقف معينة، أو من البقاء وحيدا مع شخص معين. قد يعاني من نوبات هلع.
مشاكل النوم والكوابيس: صعوبة في النوم، الاستيقاظ المتكرر، أو الكوابيس المتكررة التي قد تجعله يصرخ أو يبكي أثناء النوم.
العدوانية أو الغضب غير المبرر: قد يصبح الطفل سريع الغضب، أو يظهر سلوكا عدوانيا تجاه الآخرين أو تجاه نفسه (مثل ضرب الرأس أو خدش الجلد).
العودة إلى سلوكيات سابقة (الانتكاس): مثل التبول اللاإرادي بعد أن كان قد توقف عنه، أو مص الإبهام، أو التحدث بلغة طفولية.
تغيرات في الأداء الدراسي: تدهور مفاجئ في الدرجات المدرسية، أو فقدان الاهتمام بالدراسة، أو كثرة الغياب عن المدرسة.
المعرفة الجنسية غير المناسبة للعمر: يظهر الطفل معرفة أو سلوكيات جنسية لا تتناسب مع عمره، أو يستخدم كلمات ذات دلالات جنسية لم يتعلمها من مصادر طبيعية.
الخوف من أشخاص معينين أو أماكن معينة: يرفض الطفل الذهاب إلى منزل شخص معين، أو يظهر خوفًا شديدًا من شخص كان يحبه أو يثق به سابقًا. قد يرفض الذهاب إلى أماكن معينة (مثل منزل أحد الأقارب، أو غرفة معينة).
السرية المفرطة: يصبح الطفل كتوما جدا، ويرفض الحديث عن يومه أو عن الأنشطة التي قام بها.
أعراض جسدية
الأعراض الجسدية مثل:
قد تظهر بعض العلامات الجسدية التي قد تكون مؤشرا على التحرش الجنسي بالأطفال، ويجب الانتباه إليها جيدا وأهم تلك العلامات، الأعراض السلوكية والنفسية والجسدية التي تظهر على الأطفال منها:
إصابات أو آلام في مناطق معينة: وجود كدمات، جروح، احمرار، أو ألم غير مبرر في المناطق التناسلية، أو الشرج، أو الفخذين، أو الفم.
صعوبة في المشي أو الجلوس: قد يشتكي الطفل من ألم عند المشي أو الجلوس، أو يظهر صعوبة في الحركة بشكل عام.
التهابات أو أمراض متكررة: تكرار التهابات المسالك البولية، أو التهابات الخميرة، أو أي أمراض تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي (حتى لو كان الطفل صغيرا).
تغيرات في عادات النظافة الشخصية: قد يصبح الطفل مهووسا بالنظافة الشخصية بشكل مفرط، أو على العكس، يهملها تماما.
شكاوى جسدية متكررة بدون سبب واضح: مثل آلام البطن المتكررة، الصداع، أو الغثيان، والتي لا يوجد لها تفسير طبي واضح.
تلف الملابس الداخلية: ملاحظة تمزق أو تلف غير عادي في الملابس الداخلية للطفل.
الأعراض العاطفية مثل:
تُعد المشاعر المضطربة والمتغيرة مؤشرا مهما على أن الطفل يمر بضائقة نفسية كبيرة:
الاكتئاب أو الحزن المستمر: يبدو الطفل حزينا معظم الوقت، يفقد اهتمامه باللعب والأنشطة المعتادة، وقد يظهر عليه فقدان الشهية أو اضطرابات في النوم.
تقلبات مزاجية حادة: يتغير مزاج الطفل بسرعة وبشكل غير متوقع، من السعادة إلى الغضب أو الحزن الشديد.
الشعور بالذنب أو الخزي: قد يعبر الطفل عن شعوره بأنه سيء أو أنه ارتكب خطأ، حتى لو لم يكن هناك سبب واضح لذلك.
فقدان الاهتمام بالأنشطة المعتادة: يتوقف الطفل عن ممارسة هواياته أو الأنشطة التي كان يستمتع بها سابقا.
محاولات إيذاء النفس: في حالات نادرة وشديدة، قد يلجأ الأطفال الأكبر سنا أو المراهقون إلى إيذاء أنفسهم كوسيلة للتعامل مع الألم العاطفي.
فقدان الثقة بالنفس: يصبح الطفل خجولا جدا، أو يفتقر إلى الثقة بقدراته، أو يشعر بأنه لا يستحق الحب أو الاهتمام.
طرق العلاج
إذا لاحظت أيا من هذه العلامات على طفل تعرفه، فمن الضروري التصرف بحذر وبشكل مسؤول. تذكر أن هدفك الأول هو حماية الطفل وتقديم الدعم له:
الاستماع للطفل بجدية ودون إصدار أحكام: إذا قرر الطفل التحدث، استمع إليه بهدوء وصبر. لا تقاطعه أو تشكك في كلامه. دعه يعبر عن نفسه بحرية.
طمأنة الطفل وتصديقه: أخبر الطفل أنك تصدقه، وأن ما حدث ليس خطأه، وأنك ستقف إلى جانبه لحمايته. استخدم عبارات بسيطة ومباشرة مثل: “أنا أصدقك”، “هذا ليس خطأك”، “أنا هنا لمساعدتك”.
تجنب الضغط أو الاستجواب المكثف: لا تضغط على الطفل للتحدث أو لتقديم تفاصيل لا يرغب في ذكرها. تجنب الاستجواب المكثف أو الموجه، فقد يجعله ينغلق أكثر.
البحث عن مساعدة متخصصة: تواصل فورا مع متخصصين في حماية الطفل، مثل الأخصائيين النفسيين، الأطباء، أو المنظمات المتخصصة في دعم ضحايا التحرش. هم الأقدر على التعامل مع الموقف بحساسية ومهنية.
الإبلاغ عن الحالة للجهات المختصة: في معظم الدول، هناك قوانين تلزم بالإبلاغ عن حالات الاشتباه بالتحرش الجنسي بالأطفال إلى الشرطة أو خدمات حماية الطفل. هذا الإجراء ضروري لحماية الطفل ومنع المتحرش من إيذاء آخرين.
توفير بيئة آمنة: تأكد من أن الطفل في بيئة آمنة بعيدا عن المتحرش. قد يتطلب ذلك تغييرات في ترتيبات المعيشة أو التواصل.
أخيرا، إن حماية أطفالنا هي استثمار في مستقبل مجتمعاتنا. إن الوعي بالعلامات التحذيرية للتحرش الجنسي، والقدرة على التصرف بحكمة وشجاعة عند ملاحظتها، يمكن أن يُحدث فرقًا هائلا في حياة الطفل. دعونا نعمل معا لنبني بيئات آمنة لأطفالنا، حيث يشعرون بالثقة والأمان للإفصاح عن أي أذى يتعرضون له، وحيث يجدون الدعم والحماية التي يستحقونها. تذكر دائما: “طفل آمن، مستقبل مشرق”.
انقر هنا لقراءة المزيد عن التحرش الجنسي بالأطفال
انقر هنا لزيارة صفحتنا على فيس بوك