الصداقة بين الأم وابنها وتأثيرها على بناء شخصيته لاحقا
الصداقة بين الأم وابنها
قديما قيل أن “أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض”, ومنذ لحظة الميلاد يرتبط المولود بأمه ويتعلق بها وتتشكل اللبنات الأولى لشخصية الطفل المستقبلية.
وبمقارنة بسيطة بين الأم في المجتمعات العربية والمجتمعات الأخرى, أعتقد آن الأوان أن نرفع القبعة ونعترف بكفاءة الأمهات في المجتمعات الأوروبية والأمريكية ودول الصين واليابان وسنغافورة, إذ نجح رجال تلك المجتمعات في التأثير بقوة على العالم اقتصاديا وعلميا فهل للأم كمربي أول دور في ذلك؟
لاحظت أن هناك عشرات الآلاف من الشكاوى كلها تتعلق بالرجال في المجتمعات العربية تتمثل في حدة الطباع والميل للتقليل من شأن المرأة والتنكر للمشاركة في تربية الأبناء والاعباء المنزلية. الرجل القاسي المتسلط الغليظ الذي يطرح سؤالا قويا ما إذا كان للأم دور في ذلك أم لا.
لهذا قررت أن أسلط الضوء على العلاقة المثالية بين الولد وأمه بهدف إفادة الأمهات و استثمار تلك الصداقة في تقديم رجل سوي ناجح مستقبلا.
يرتبط ابنك بكِ في الأيام الأولى له عن طريق علاقة بيولوجية محضة يحتاج فيها إلى الرضاعة والنوم والنظافة المستمرة, لاحقا تتطور تلك العلاقة وتمتد لتشمل نواح نفسية عديدة. لهذا ينصحك أطباء الأطفال بالحرص على الرضاعة الطبيعية, إذ هي العمود الفقري للحنان والعطف وتخلق رباطا عميقا بين الأم والرضيع, كذلك تجنبي الاستعانة بالمربيات قدر الإمكان خلال الستة أشهر الأولى من عمر طفلك. وإذا استطعت أن تبقي بجوار طفلك حتى دخوله المدرسة فبها ونعمة.
وأثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الشهور الأولى حساسة جدا ولها أثر بالغ في تعزيز استجابة الطفل وتطور مهاراته. عند قيام علماء أمريكان من مدينة سانت لويس وتحديدا جامعة واشنطن بفحص صور أشعة لمجموعة متنوعة من الأطفال في بيئات مختلفة وأعمارهم متفاوتة, تبين أن الأطفال الذين حصلوا على دعم و رعاية كافية من الأم منذ لحظة الميلاد لديهم نمو ملحوظ في منطقة” الحصين” (جزء من المخ له دور بارز في تنمية مهارات التذكر والتعلم والتعبير عن المشاعر).
بينما لوحظ تضاؤل حجم ” الحصين” لدى الأطفال الذين حرموا من الدعم في سنوات العمر الأولى. يعود ذلك لأن منطقة الحصين تتميز بالمرونة في السنوات الأولى والاهتمام والرعاية كافيان لمنح “الحصين” ما يحتاجه. أما من أسعفه الحظ وتداركت أمه تخليها عن دعمه, لكنه حظى برعاية متأخرة فيما بعد من الأم في مرحلة التعليم الأساسي فللأسف طبقا للأبحاث ظل جزء الحصين لديه كما هو ولم يحدث له النمو الكافي.
الصداقة بين الأم وابنها من منظور العلم
شدد العلماء والمهتمين بالطفولة على ضرورة أن تقدم الأم لولدها الدعم المعنوي الكافي و الحب و الاهتمام الغير مشروط.
1- منظور علم النفس
أكد علماء النفس أنه يجب أن تشجع الأم ابنها على اظهار مشاعره والتعبير عنها وتكف عن اتباع الموروثات الخاطئة التي تحث الذكر على كبت مشاعره بحجة أنه رجل الغد.
ويرى أطباء النفس أن حث الولد على كبت مشاعره قد يخلق شخصية عدوانية تفتقر إلى التعاطف مع الآخرين وتتصف بالتسلط والعناد والغضب لأتفه الأمور, كذلك فإن المقارنة المستمرة بين الولد وأقارنه تسهم في بناء شخصية مهزوزة تفتقر إلى الثقة وعزة النفس والقدرة على اتخاذ القرار.
2- منظور علم الاجتماع
يرى علماء الاجتماع أن العلاقة السوية بين الولد وأمه تمثل ركيزة أساسية في النمو الاجتماعي والانفعالي وتعزز الاستجابة للمواقف المختلفة وتقوي التناغم الانفعالي لدى الولد في مراحل عمره المختلفة. هذه العلاقة الجيدة تسهم في منح الولد الأمان والسلام الداخلي الذي يجعله قادرا على تحدي الصعاب ومواجهة العقبات وتذليلها.
ويجب ألا نغفل تأثير البيئة المحيطة حول الولد إذ أنها كلما ساد فيها الود والاحترام والترابط ساهم ذلك في خلق شخصية متوازنة ومتسامحة مع المجتمع. وبحسب علماء الاجتماع, فإن تتبع نشأة أغلب الذين ينتمون إلى تنظيمات متطرفة, لوحظ فيها انعدام رابط الصداقة بين الولد وأمه و اتسام العلاقة بينهما بالجمود والقسوة وعدم الاحتواء.
وأكدت الدراسات العلمية التي نشرها موقع هيلث لاين (healthline) أنه عند ما تميل الأم خطأ لعدم احتواء ولدها بحجة أنه ذكر لا يحتاج إلى الحنان, يشب الولد بنقص عاطفي وتسيطر عليه النظرة السلبية التي تنعكس بدورها على حياته مستقبلا في الأمور التالية:
• الميل للعنف الجسدي واللفظي.
• التنمر والتقليل من الآخرين.
• التهور عند اتخاذ القرارات.
• الرغبة في افتعال المشكلات.
• التطرف وزيادة المشاعر السلبية تجاه المجتمع.
نصائح لتقوية رابط الصداقة بين الأم وابنها
ولكي تكسبي ولدك يجب عليك أن تحرصي على تقوية الصداقة بينك وبينه حتى يتجاوب معك ويتقبل منك التوجيهات ويتبعها, فلابد من إتباع الأمور التالية:
• عدم اعتماد الجفاء والشدة في العلاقة فالرجولة لا تعني بذاءة الألفاظ والعنف.
• منح الولد الحنان الكافي وتعلميه التعاطف مع من حوله ومراعاة مشاعرهم.
• مدح الولد أمام الغرباء والتحدث بإيجابية عن جوانبه الحسنة وتمجيدها.
• تفهم حاجة الولد إلى الحركة وتركه يكتشف وينمي مهاراته ويجرب.
• تجنب مقارنته بأقرانه وإخوته.
• الابتعاد عن النقد وخاصة أمام الغرباء.
• الاستماع باهتمام إلى الولد والتفاعل مع تصوراته وعالمه والنظر إلى عينيه وتمرير اليد على رأسه أثناء الحديث معه.
• تحدثي معه عن طفولتك وطريقة تعاملك حينها مع من حولك.
• عززي رابط الصداقة بقص حكايات قبل النوم وتضم منصة حلا قصصا ملهمة للأولاد وبه عنصر المغامرة والتحدي بالإضافة إلى الهدف التربوي البناء.
• شجعي ولدك على التعبير عن رأيه والدفاع عن حقوقه واغرسي فيه احترام أخوته البنات وتقديرهن.
• تجنب التدليل الزائد فالعنف والخشونة مضرة والتدليل الزائد أشد ضررا.
• عدم زرع القسوة في نفس الصبي بتكرير عبارات الأجداد مثل” الرجل لا يبكي”,” البكاء من شيم البنات”.
نموذج لــ (الصداقة بين الأم وابنها) مثمر وأمهات غيرن التاريخ
إن احتواء الطفل والايمان بقدراته والاهتمام بتعزيز العلاقة بينه وبين الأم له بالغ الأثر على نفسه بل الإنسانية كلها.
ويذكر التاريخ بحروف من نور بعض الأمهات اللاتي وقفن بجوار أبناءهن وآمنوا بقدراتهم وشجعنهم حتى غيروا البشرية بأسرها.
المثال الأشهر, لصداقة الأم بولدها هو لأم العالم الهولندي الأصل توماس ألفا إديسون الذي لفظته المدارس لأنه مختلف فقامت أمه بتشجيعه وحرصت على تعليمه وآمنت بمواهبه فأضاء العالم كله واخترع المصباح الكهربائي والعديد من الاختراعات التي غيرت مجرى التاريخ والذي قال كلمته المشهورة:
«والدتي هي من صنعتني, لقد كانت واثقة بي؛ حينها شعرت بأن لحياتي هدف, وشخص لا يمكنني خذلانه.»
بالإضافة إلى أم العالم الألماني ألبرت آينشتاين الذي سافرت به أمه إلى إيطاليا ليتعلم فأضحى عالما في الفيزياء وحاز على جائزة نوبل.
ختاماً, صداقة الولد بأمه تحتاج لإعادة النظر في الموروثات الخاطئة التي ترتكز على القسوة وحرمان الولد من الحنان و التركيز على ضرورة كبت مشاعره. ولابد من احتواء الولد ومنحه الحنان والرعاية منذ اليوم الأول وتشجيعه على التعبير عن رأيه والدفاع عن حقوقه كإنسان واحترام الآخرين وخاصة الفتيات. آمني بقدرات بولدك وادعميه واهتمي به وإن تخلى عنه الجميع من يدري ربما أصبح عظيما من العظماء وغير مجرى التاريخ.
دمتم بكل ود…
في مجال تربية الأبناء تستطيع قراءة العديد من المقالات مثل:
انقر هنا لقراءة مقال عن الصداقة بين الأب والبنت وتأثيرها على شخصيتها مستقبلاً
انقر هنا لقراءة مقال عن طرق اختيار الأصدقاء المناسبين للمراهق
الصداقة بين الأم والولد …