الضرب والعنف واستخدامهم من أجل التربية مفهوم جاهل أم أنها وسيلة تربوية ناجحة
تربية الأبناء من الأمور الصعبة التي تتطلب مجهود كبير من قبل أولياء الأمور لتكوين أساليب التربية السليمة عند الأطفال.
البنون هم زينة الحياة الدنيا ولتُضيء هذه الزينة فلا بد من استخدام طاقة كبيرة مولدة.
وتتنوع الطرق التربوية وتتدرج من السَلِسة وحتى المعقدة، وبالطبع هذه الأساليب تختلف من طفل لآخر بحسب ذكائه وقدرته على الاستيعاب.
ونحن الآن بصدد التحدث عن أساليب التربية وعن جدوى العنف كوسيلة في التربية. هل تعتبر القسوة في التربية طريقة فعالة لتربية الأطفال المزعجين وكثيري الحركة؟
وما هو الموقف العلمي والقانوني والصحي والشرعي أزاء استخدام الضرب والعنف كوسيلة تربوية في اخراج طفل سوي إلى هذا المجتمع؟
يعتقد الآباء أن الضرب والصراخ هو الحل الأفضل لتهذيب الطفل وضبطه ونهيه عن الوقوع في الخطأ، ويرى بعضهم أنها الطريقة المثلى و الصحيحة لتربية الأطفال، بحيث أن هذا المفهوم غير صحيح البتة، لما له من تأثير كبير على الطفل من الناحية الصحية والنفسية على المدى القريب والبعيد.
الضرب والعنف وآثاره الصحية والنفسية على الأطفال
أولاََ الأضرار الصحية
1- يؤثر العنف على الأطفال بشكل كبير جداََ، على نموهم والارتقاء بأنفسهم بشكل سليم.
2- يؤثر على صحة ونمو الجهاز العصبي لديهم والعقل وتعرضهم للعنف في مراحل عمرية مبكرة يؤدي إلى اضعافهما.
3- يؤثر الضرب سلباََ على الغدد الصماء والدورة الدموية والنسيج العضلي والأجهزة التنفسية و التناسلية والمناعية وتظل هذه الآثار لبقية عمرهم.
4- يؤدي العنف ضد الأطفال للإصابة بالأمراض غير السارية مع تقدم الأطفال في العمر، وقد يصابوا بأمراض قلب و سرطان و أوعية دموية وداء سكري و غيرها.
5-يؤدي العنف ضد الأطفال إلى اضطرابات في النوم ورؤية الكوابيس. وقد يؤدي العنف إلى الوفاة أحيانا او التعرض لإصابات بالغة و خطيرة أحيانا أخرى.
6- اثبتت الدراسات الحديثة أيضاََ أن صفع الطفل بشكل متكرر على وجهه يؤدي إلى ضعف في الوعي الإدراكي لديه.
7- ظهور التأتأة عند الأطفال الذين تعرضوا إلى العنف أو تم تعنيف أمهاتهم أمام أعينهم وهي حالة قد يصعب علاجها بعد ذلك وهي عبارة عن صعوبة في نطق الكلمة بسرعة إذ تخرج الجملة متقطعة كـأنها توحي بنسيج روحه المتقطع.
ثانياََ الأضرار النفسية على المدى القريب والبعيد
الضرب المفرط واستخدام العنف كوسيلة في التربية هي قناعة عند كثيرين من المجتمع العربي بالذات ومن ما يذكر في ذلك المثل المشهور:
( لا بارك الله بعبدِِ لم يضربِ)
لكن الحقيقة هي أن الضرب المتكرر للطفل، يؤذيه جسدياََ ونفسياََ، مما قد يجعله قاسي القلب، بحيث يفكر في الانتقام، دون أن ينتبه إلى العواقب الوخيمة لتصرفاته، فتكثر لديه الصفات والممارسات السلوكية السيئة مثل ضربه للحيوانات أو تحطيمه للدمى والألعاب.
الضرب المتكرر للطفل يؤدي حتماََ إلى مشاكل عاطفية وبغض النظر عن عمر الطفل أو سلوكه و حركته الكثيرة أو المشاغبة، فضربه هنا يلبد مشاعره، وهو لا يفهم سبب حركته الزائدة هذه بل يفهم بأنه قد عُوقب وسُلب حريته الشخصية في اللعب دون أيما ذنب منه, مما يؤثر على سلوكه العاطفي، وكره كل من حوله. إذ يبني داخل الطفل المعنف تكوين نفسي على الكره والحقد والضغينة ومشاعر سلبية للغاية.
وقد يخلق الضرب المتكرر للطفل ميولاََ عدوانياََ, إذ يصبح الطفل عدوانياََ في شتى أموره، بحيث انه تربى على الضرب والعدوانية والقسوة فيطبقها على كل من حوله قد يؤذي اخوته وأصدقائه متعمداََ. إذ يأخذ الطفل طابع العنف ويتخذ منه طريقةََ لحل المشكلات التي تواجهه في حياته.
عدم احترام الآخر والجلد, في ظل الظروف التي ترعرع فيها، و العنف المتكرر يصبح الطفل فظا للغاية، جلداََ معتاداََ على أسلوب العنف بشقيه اللفظي والجسدي, بحيث قد تأقلم على تلقي الضرب، و يتجرد من احساسه فيصبح غير مبالٍ بمشاعر الآخرين ولا يحترمهم و قد يسيء إلى اهله إذا سنحت له الفرصة أو معلمه في المدرسة.
عدم الشعور بالأمان والثقة أيضاََ من نتائج الضرب المفرط والعنف, فمن يتلقى الصفعات النفسية من اقرب الناس إليه، فكيف لعقله أن يتقبل الغرباء ويثق بهم، فيصبح وحيداََ و خائفاََ كل الوقت بحيث لا أحد يعتبر أهلاََ لثقته في عالمه.
الشعور بالعجز والتردد, ايزاء الضرب المستمر الذي يتعرض له الطفل تضعف بنيته الشخصية، بحيث يتردد في التحدث، يتردد في أخذ قرارته، وقد يصل الأمر معه إلى التبول اللا إرادي بسبب خوفه الزائد.
وفي حالات مختلفة, قد يؤدي العنف المستمر إلى تبني الطفل لأسلوب التمرد والتحدي، ورفضه لأي نصيحة تقدم إليه واي اقتراح حتى وإن كان لصالحه وهذا رد فعل عادي للضغط النفسي الذي زرع العنف بداخله.
الضرب والعنف ضد الأطفال و طرق العلاج التربوي النفسي
لا يعني أن يخطئ بعض الآباء والامهات في استخدام الضرب والعنف بشقيه اللفظي والجسدي أن الأمر قد فات أوانه ولكن هنالك طرق تربوية ونفسية لتدارك المشكلة قبل فوات الأوان ومن المهارات الذكية التي تستخدم لتصحيح المسار بعد إيقاف العنف عنه فوراََ الآتي:
1- التعامل مع الطفل بهدوء و روية
يعاني أغلب الأطفال من التأخر في النطق، لذا لا بد من التركيز على الحركة عند التحدث إليه، مع بعض الإشارات الواضحة، سيساعده هذا الأسلوب بفهم المطلوب منه بدقة أكثر.
2- احتواء الطفل ورفع معنوياته
تأمين جو نفسي آمن ومناسب و مكان مريح لأعصاب الطفل، واعطائه الحق بالتحدث عما يفكر فيه بحرية تامة وتشجعيه على التعبير عن كافة مشاعره حتى أمام اخوته، وليأخذ كل منهم دوره، ليتعلموا احترام رأي الآخر ومشاعره والاصغاء إليه.
3- الالتزام بالنمط المتوازن
اتباع النمط المتوازن وتطبيقه عبر ترجيح الاكف، فخير الأمور أوسطها، ويعني بألا يكون المربي متسلطاً ومتشبث الرأي ومتصلب، لأن هذا الأسلوب يولد داخل الطفل الخوف مما يدفعه لكتم مشاعره، وعدم البوح عما بداخله، فيُنشأ في عزلة خاصة به.
وفي ذات الوقت على المربي ألا يكون متساهلاََ حدّ الإفراط عندما يتجاوز الطفل غير المسموح، ففي هذه المرحلة لن يستطيع ضبط تصرفات الطفل والسيطرة عليها. وينبغي على المربي هنا استخدام استراتيجيات العقاب والثواب وليس الاتجاه إلى استخدام الضرب.
اقرأ مقال طرق التعامل مع الطفل المشاكس لتتعرف على بعضها. انقر الرابط باللون الوردي
المشاكسة عند الأطفال وماذا تعني كلمة مشاكس وما الفرق بين المشاكس والمشاغب والشقي – 2023
4- استخدام وسائل مناسبة لأقناع الطفل
على المربي أن يعي سياسة الطفل المراد التعامل معه، ماذا يحب و ماذا يكره، ويأتيه من كافة الجوانب المتعلقة بسياسته، بعد تحديد قدراته وميوله، بحيث يشجعه على مواهبه كالتجربة وينهاه الخطأ بشرح عواقبه شرحاََ واضحاََ وضرب الأمثلة إن أمكن من الواقع أو باستخدام القصص.
5- محاولة دمج الطفل مع بيئة جديدة
ومراقبته طوال الوقت كيلا يؤذي غيره. و إيجاد بدائل في معاملة الطفل كالتحدث إليه عندما يهدأ من غضبه ومحاولة مساومة الأمر بطرق منطقية بعيدة عن العنف والصراخ.
6- تعليم الطفل على تقديم الاعتذار دائماََ
في كل مرة يخطئ فيها. ومكافأته في كل مرة يحسن فيها التصرف وعدم التركيز على الجانب السيء له.
7- تجنيب الطفل المحتوى العنيف
تحديد عدد ساعات مشاهدة التلفاز له، و الانتباه للمحتوى الذي يشاهده، ونهيه عن مشاهدة كل ما يحتوي على الضرب والعنف أو أي أذى، و مناقشته عن المعلومات التي فهمها من مشاهداته.
8- توفير الألعاب للطفل وتلبية احتياجاته النفسية
توفير الألعاب له دائماََ و السماح له باللعب ليتخلص من الطاقة السلبية داخله.
إلى جانب تلبية احتياجاته النفسية والعاطفية كاحتضانه وشرح الأمور له و الاكثار من مجالسته
9- استشارة طبيب أو مرشد أو خبير نفسي
وفي الحالات التي لا يجد المربي لها أي حل ويجتاحه شعور بالإحباط عليه أن يستعين بأخصائي نفسي ويطلعه على التطورات الجديدة أول بأول.
الضرب والعنف ضد الأطفال وموقف القانون الدولي منه
تعتبر السويد هي أول دولة جرمت العقاب البدني ضد الأطفال عام ١٩٧٩، وهناك صعوبة كبيرة تحديداََ في الدول العربية والنامية، من إلغاء هذه البنود.
بحسب بيتر نويل، رئيس المبادرة العالمية لإنهاء جميع اشكال العقاب البدني ضد الأطفال بأنه ٤٤ دولة جرمت العقاب البدني من قبل الاهل، لكن المشكلة أن هذه الأطفال لا تشكل سوى ١٠ بالمية من أطفال العالم.
وعقدت في العاصمة الأردنية عمان ورشة عمل حول “بدائل العقاب البدني ضد الأطفال“، نظمها المجلس الوطني لشؤون الأسرة وشاركت فيها عدة وفود من دول خليجية.
اتّفق المشاركون على الآثار السلبية التي تعقب استخدام الضرب والعنف وعدم نجاح هذا الأسلوب من التربية وانه مخالف لاتفاقية حقوق الطفل التي وقّعتها غالبية الدول العربية والتي تنص على ضرورة تجريم ضرب الأطفال
الضرب والعنف وموقف الشرع من استخدام العنف في تربية الأطفال
هل يجوز ضرب الأبناء وتعنيفهم بهدف التربية؟
ردت دار الإفتاء بأن الإسلام هو دين الرحمة وقد وصف الله تعالى حبيبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنه رحمة للعالمين فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
وأكد الشرع على حق الضعيف في الرحمة به فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيم، وَالمَرْأةِ» رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيد كما قال الإمام النووي في «رياض الصالحين».
وأضافت دار الإفتاء أن الأطفال مهما كانت مراحل عمرهم هم أوْلَى الناس بالرحمة لضعفهم واحتياجهم الدائم إلى من يقوم بشؤونهم حتى جعل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عدم رحمة الصغير من الكبائر، فقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبيرِنَا» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما.
و أن الشرع حث على الرفق، ودعا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الرفق في الأمر كله.
وما ورد قط أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب طفل أو زوجة أو استخدم القسوة في التربية مع أي كان, بل اشتهرت عنه قصص الرفق عليه الصلاة والسلام في عذوبة تعامله مع أحفاده الحسن والحسين.
وأخيراََ, ما وضع الرفق في شيء إلا وزانه و ما انتزع الرفق من شيء إلا وشانه والضرب والعنف و القسوة في التربية ليسوا حلول ولا طرق تربوية أو حتى إنسانية على الاطلاق ولا يستخدمها إلا قليلو الحكمة من ظلت عن اذهانهم الحيلة والوسيلة ونتمنى من الله لأطفالنا وأطفالكم تربية صالحة سوية.
حررته الأنامل اللبنانية / ندى خلف
منصة حلا لقصص الأطفال ترحب باقتراحاتكم ورسائلكم عن طريق الايميل الموجود أدناه….
انقر هنا لمتابعة منصة حلا على الفيس بوك
ــــــــــــــــــ تم ـــــــــــــــــــــــــ