سن المراهقة وصعوبات تواجه الأبوين
سن المراهقة يعد مرحلة حرجة وحساسة للغاية إذ أن المراهق يعاني من تغيرات جسدية ونفسية، وهو بعد أن كان بالأمس طفلاً مدللاً يحظى بكل الاهتمام والرعاية. وكان ارتفاع درجة حرارته أو شعوره باضطراب في المعدة كفيل باحداث عدم استقرار وتوتر للأب والأم, فجأة انسحب البساط، إذ غدا المراهق في نظر الوالدين كبيراً بما يكفي و يستطيع بنفسه التعامل مع العقبات العابرة وحلها.
لكنه في الواقع وإن بدا كبيراً ويرفض بشدة الوصاية الأبوية، إلا أنه في أمس الحاجة إلى الدعم والمساندة ولكن ليس بالطريقة القديمة التي كانت تنتهجها الأسرة في مرحلة الطفولة.
لقد أصبحت هناك أساليب جديدة للاقتراب من هذا اليافع و مساعدته واخراجه من دوامة المشاكل والأزمات التي تواجهه باستمرار. ولأهمية الموضوع قررنا في منصة حلا أن نتطرق لأبرز المشاكل التي تواجه المراهقين ونقدم حلولاً من شأنها أن تساعد الوالدين على كسب ثقة المراهق و تجعل التعامل مع سن المراهقة سهلاً بلا منغصات.
مشاكل سن المراهقة ومنظمة الصحة العالمية
منظمة الصحة العالمية عرفت المراهقين بأنهم الأفراد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10: 19 عاماً. وأشارت تقارير منظمة الصحة إن هناك شخصاً واحداً من بين 6 أشخاص في العالم في سن المراهقة، وهو ما يعني أن العالم يضم 1.2 مليار شخص في سن المراهقة.
واعتبرت المنظمة أن فترة المراهقة واحدة من التحولات الحاسمة والمؤثرة في حياة الطفل وتتشكل فيها الركيزة الأساسية التي تحدد طرق تعامل المراهق مع أسرته والمجتمع من حوله في المستقبل. لهذا اعتبرت المنظمة أن سلامة المراهق النفسية والجسدية أمر بالغ في الأهمية من أجل مجتمعات فعالة خالية من الخلل و الاضطرابات الصحية و السلوكية والوجدانية.
وكشفت التقارير أن نسبة 10 إلى 20% من المراهقين عالميا يعانون من اعتلال الصحة النفسية. وأوضحت المنظمة أن الاهتمام بتلك الاعتلالات ومحاولة تشخيصها وعلاجها لا يزال متدن وبخاصة في المجتمعات التي تعاني من الفقر والجهل أو المجتمعات المتشددة التي تفرض قيوداً على المراهقين تحت ستار الدين. و اعتبرت المنظمة أن أبرز التحديات التي تواجه المراهقين تتمثل في حرص المراهق على الحصول على قدر أكبر من الاستقلالية والضغط المفروض في محيط المدرسة من أجل محاولة التوافق مع الأقران لئلا يقع فريسة للتنمر و محاولة استكشاف الهوية الجنسية والتحكم فيها، وكذا زيادة فرص الوصول إلى التكنولوجيا واستخدامها بسهولة مقارنة بالأجيال السابقة.
وتحث المنظمة البيئات المتواجدة حول المراهق والمتمثلة الأسرة والمدرسة والمجتمع المحلي بنطاقه الأوسع دورها مهم لتقديم الدعم و الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية للمراهقين.
أبرز المشاكل التي تواجه الأبناء في سن المراهقة
التعامل مع المراهق وتربيته ليس بالأمر الهين. الأمر أشبه بجراح يجري عملية دقيقة وأي خطأ أو تهاون قد يؤدي لمضاعفات جسيمة تؤثر على صحة المريض طوال العمر.
هذا بالضبط الواقع بالنسبة للمراهق الذي يمر بباقة متنوعة من التحديات الجسدية والنفسية بنفس الوقت ومن أبرز المشاكل التي تواجه المراهقين ما يلي:
●التعنيف والنقد من قبل الوالدين والمعلمين
إذ لا يعي الوالدان والمعلمون رغبة المراهق في التمرد، فيقابلون تصرفات المراهق بوابل من النقد والتعنيف وهذا من شأنه أن يوسع الفجوة ويجعل المراهق يفقد الثقة فيمن حوله.
●إدمان الإنترنت
إذ أن الانترنت هو وباء هذا العصر الخفي الذي نجح في التسلل لحياتنا، وبما أن فئة المراهقين لا تعي تماما الطرق المثلى في التعامل مع الإنترنت تراهم أغلب الوقت يدمنون تصفح مواقع التواصل الاجتماعي ليل نهار وهو أمر ينعكس بالسلب النواحي الإجتماعية و على صحة المراهق الجسمية بسبب قلة النوم وكذا النفسية بسبب تلك المحتويات الرديئة ومشاهير الإنترنت الذين قد يتخذهم المراهق قدوة ويسعى لتقليدهم.
●البدانة المفرطة
في طور المراهقة يميل المراهق للإفلات من قبضة الأسرة والتمرد على ما كانت تقدمه الأم في مرحلة الطفولة من طعام صحي ويلجأ للوجبات الجاهزة العشوائية وطلب المأكولات من الخارج .ناهيك عن أيام الدراسة حيث يقضي المراهق أغلب الوقت في التنقل بين مراكز الدروس الخصوصية فيلجأ للوجبات الجاهزة والمشروبات الغازية وهو أمر يسبب زيادة في الوزن إذا لم تحاول الأسرة أن تقلل من هذا النمط الغذائي المضر.
● حوادث السيارات
تعد حوادث السيارات السبب الأول لوفاة المراهقين نتيجة السرعة الزائدة طبقا لتقرير منظمة الصحة العالمية.
● الاكتئاب والانتحار
وهو السبب الثاني للوفاة في سن المراهقة، لأن التغيرات المتعددة قد لا يستطيع المراهق فهمها ولا التعامل معها وقد يشعر بعدم الرضى عن الواقع الذي يحيط به فيفضل المراهق الانسحاب والاستسلام للعزلة والاكتئاب ولاحقاً تأتي الرغبة في التخلص من الحياة.
●الاضطرابات العاطفية
وتحدث بسبب رغبة المراهق الفطرية في التعرف على الجنس الآخر مدفوعاً بتلك التغيرات الجسدية التي حدثت في سن المراهقة له ناهيك عن المحتوى الردئ المنتشر الذي يعرض القصص العاطفية والذي يخلق للمراهق تجربة عاطفية فريدة, فتتملك المراهق الرغبة في خوض التجربة. لهذا يجب على الوالدين أن ينتبهوا لئلا يتعرض المراهق لمشاكل صحية ونفسية ويراقبوا تصرفات المراهق بدون أن يشعر بتطفلهم على حياته الخاصه.
●انتشار التنمر
وهو أمر يعكس بالضرورة الخلل الواضح في التربية وفساد البيئة التي نشأ فيها المتنمر وافتقارها للأسس الأخلاقية الصحيحة و شعوره بالنقص الذي يحاول أن يعوضه بالانتقاص والتقليل بشأن من حوله. ويسبب التنمر مشاكل نفسية لا حصر لها للمتنمر عليه ويضر بنظرته للمجتمع.
● إدمان المخدرات
يسهل الايقاع بالمراهقين في فخ الإدمان بسبب روح المغامرة وحب التمرد التي تعتريه و كذا بسبب قلة الوعي بالأضرار الصحية وعدم نضج الوازع الديني مما يتسبب في تدخين الحشيش والماريجونا وغيرها من المخدرات ناهيك عن المخدرات الرقمية، فهي حرب على المراهقين يقودها مجموعة من الحثالة منعدمي الضمير من الراغبين في الثراء على حساب زهور المستقبل وأمل الأمة.
●مشاكل التعليم
وهذا تحد لا يمكن أن نغفله ويعاني منه المراهق بسبب عدم تقبل المجتمع لوجود فروق في الاستيعاب وأن كل مراهق مبدع في ناحية خاصة به. لهذا نجد الأسرة والمجتمع يضغط على المراهق لتحصيل درجات عالية في الاختبارات النهائية ويدفعونه نحو الدروس الخصوصية، على الرغم من أنه قد يكون مبدعاً في مجال آخر مع قليل من اهتمام الأسرة. هذا الضغط المتواصل يؤدي إلى الشعور بالاحباط واليأس مما يؤدي لعدم القدرة على مجاراة الأقران وبطء الاستيعاب.
● ظاهرة العنف
نلاحظ في القضايا التي يتم الإعلان عنها, أن رد الفعل العنيف هو العنوان الرئيسي. فهناك ميل نحو العنف بسبب المحتوى الذي يمجد البلطجة وسفك الدماء في السينما والمسلسلات. فهناك من يلجأ لاستخدام السلاح الأبيض في أثناء شجاره مع زملائه رغبة في تقليد البطل في فيلم ما.
كيفية التعامل مع مشاكل سن المراهقة
يجب أن نعي أن سعة الصدر ومحاولة ضبط النفس و التقليل من النقد ومحاولة مصادقة المراهق وفهم طبيعة عالمه هي الوسيلة المثلى لمحاولة كسب ثقته. لابد من الاستماع إلى المراهق وعدم إصدار الاحكام أو المقارنة بين تصرفات الوالدين في تلك المرحلة وتصرفات المراهق. لا تزعج ابنك بمقارنات غير عادلة بينه وبين الفائقين دراسياً فلم يختر أحد لون بشرته ولا نسبة الحفظ ولا معدل الذكاء, هذا خلق الله وله حكمة بالغة فتقبل وجود فروق وعود ابنك على تقبل الاختلافات.
تأكد أن سن المراهقة في الماضي كان أخف وطأة إذ لم يكن هناك هذا الكم الهائل من الضغوط والتحديات ولم يكن هناك انفتاح كامل على العالم الخارجي، لكن اليوم نرى العالم بأسره من محتوى ترفيهي ووسائل تواصل تعمل على مدار الساعة لجذب المشاهدين من المراهقين. هذا العالم المتسارع الوتيرة الذي لا ينصاع لضوابط أخلاقية يدق باب المراهق ليل نهار من خلال هاتف صغير. لهذا اشغل وقت ابنك بشئ نافع وعوده على تخصيص وقت محدد لتصفح الإنترنت و ناقشه في مشاكل إدمان التواجد ليل نهار على مواقع التواصل ومتابعة مقاطع الريلز وغيرها واجعله يميز بين المحتوى النافع والمحتوى الردئ.
و أنصح الوالدين أيضا بضرورة التقرب من المراهق و معرفة ما يشغل باله و التفاعل مع مشكلاته وأخذها على محمل الجد. يجب عدم تقديم النصيحة المباشرة ولا التقليل من حجم مشاكله، حاول دائماً أن تضع نفسك في مكانه حتى يثق بك ويجعلك صديقا له.
تجاوز عن طرق تعبيره التي تزعجك فالمراهق يميل للمبالغة في التعبير عن المشاعر والتقليل من شأن الوالدين. ولا تغرس في ابنك التقليل من شأن الأقران واجعله يفهم أن الجميع إخوة وكل البشر سواسية، وإذا كان ابنك هو من يتعرض للتنمر أخبره أن المتنمر يعاني من نقص في نفسه يخرجه بمحاولة التقليل من شأن الآخرين.
كن نموذجاً حسناً لابنك ولا تمجد أمامه السلوكيات المنحرفة و قلل من شأن من يقدمون المحتويات العنيفة. وأخبر ابنك أن العنف واستخدام السلاح يؤدي لعواقب وخيمة و اطلب منه برفق الابتعاد عن المشاجرات قدر الإمكان. وتقبل فكرة مرور المراهق بفترة الانجذاب نحو الجنس الآخر وراقبه وتحدث معه وتبادلا الآراء حول فكرة الوقوع في الحب مبكراً.
وجه ابنك بطريقة غير مباشرة لممارسة الرياضة البدنية و تحدث معه وناقشه بود حول المشكلات الصحية الناجمة عن التدخين والإدمان أو الانخراط في ممارسات ضارة. ولابد من أن نحاول أن نعزز الوازع الديني عند المراهق بحضور الصلوات في المسجد ومتابعة المحاضرات الدينية وتشجيعه على تخصيص وقت للذكر وتلاوة القرآن.
لابد من أن نطلب العون واصلاح الأبناء دائما وأبداً من الله فنحن بشر نخطئ ونصيب لهذا لنلجأ إلى الخالق ونرجو صلاح المخلوق منه وحده بعد العمل بالأسباب.
ختاماً فإن مشاكل سن المراهقة, تحتاج في علاجها إلى الصبر و سعة صدر و احتواء، لكي تمر تلك المرحلة الحرجة بهدوء فالأمر أشبه بسفينة في اليم يأتيها الموج من كل مكان فقط بتفهم الوضع والالتجاء إلى الله وطلب العون والهداية سترسو السفينة على بر الأمان.
دمتم بكل ود…..
منصة حلا تنصح أيضاً بقراءة المواضيع الآتية:
انقر هنا لتقرأ موضوع عن المراهق العنيد
انقر هنا لتقرأ عن التدخين عند المراهقين
لزيارة متجر منصة حلا وقراءة قصة كوكي وجيو للكاتبة العراقية القديرة زهرة حبيب انقر على اسم القصة