فقدان أحد الوالدين وأثره على الطفل
فقدان أحد الوالدين, تتفتح عيون الصغار منذ لحظة الميلاد على وجود الوالدين، يشعر الصغار في وجود الوالدين بالطمأنينة و الراحة والثقة بالنفس لأنهما عماد البيت وبدونهما يختل توازن الأسرة.
يمثل الوالدان المثل الأعلى غالباً ومصدر السلطة وركيزة البيت وحجر أساسه. ويستمد الصغار من الوالدين القيم والأخلاق, وبوجود الأب يشعر الأبناء بعدم القلق والأمان نتيجة لدوره الفعال الذي يصعب على أي فرد في الأسرة القيام به فهو بمثابة حاكم لمملكة الأسرة وبوجوده تشعر الأسرة بضمان الجانب المادي الذي يوفره الأب.
وبوجود الأم يشبع الصغار من الجانب العاطفي، لذا فوجود الأب والأم معاً وترابطهما أمر حتمي لا غنى عنه من أجل صحة الطفل النفسية.
لكن قد يغيب الموت أحد الأبوين أو كلاهما وهنا تكون الطامة الكبرى والفاجعة التي يصعب مداواتها إلا بشق الأنفس.
لذا كان لزاماً على منصة حلا أن تتطرق لموضوع فقدان أحد الوالدين و تتعمق فيه لتظهر ما يشعر به الطفل وقتها، حتى يتسنى على المحيطين بالطفل تفهم مشاعره ومحاولة مساعدته على تجاوز تلك المحنة ومداواة آثارها والتعامل معها حتى يتمكن الطفل من تخطي تلك الفترة الحرجة في سلام و العودة إلى حياته الطبيعية.
فقدان أحد الوالدين ومشاعر الطفل عقب الوفاة
لابد من أن ندرك أن علاقة الطفل بوالديه تقوم على الحب والعاطفة في المقام الأول ويرتبط الطفل بوالديه أكثر من أي شئ آخر ويعتبرهما الركيزتين الأساسيتين لاستمرار الحياة، كما أن الصغار عادة ما يعتقدون أن الموت مقتصر على المتقدمين في العمر ولا يمتد ليضم في قائمته صغار السن، لذا فان حدوث الوفاة تشكل صدمة فكرية ونفسية ووجودية من جميع الجوانب وتجعل الطفل مرتبك إلى أقصى درجة إذ أن كل ثابت ينهار أمامه فجأة ودون سبب مقنع لهذا تحدث اضطرابات نفسية وتغير واضح في السلوك إلى النقيض.
إذ ينخرط الطفل في حزن عميق يدفعه إلى تغيير وجهة نظره في الحياه. وقد يعبر عن حزنه بتصرفات عدوانية بعض الشئ نتيجة لشعوره بعدم الأمان ويضع نفسه في شرنقة منعزلة عن العالم خشية التعرض للأذى. بعض الأطفال يشعرون بالخوف والارتباك عند فقد الأب نتيجة للخوف من المستقبل وضياع الضمان المالي واختفاء عنصر القوة والحماية بشكل مفاجئ.
فقدان الأب بالنسبة إلى البنت
لاتختلف صدمة فقدان الأب على الطفل سواء أكان ذكراً أو أنثى وتكون الصدمة أشد وطئة في السنوات المبكرة عنها في مرحلة المراهقة، إلا أن صدمة الفتاة تكون أشد عمقاً سواء صغيرة أم كبيرة مقارنة بالذكور وذلك لأن الفتاة تنظر إلى والدها بنظرة عاطفية مما يجعلها تشعر بفراغ كبير في حياتها يدفعها إلى الحزن العميق و الشعور بالوحدة.
يمثل فقدان الأب للبنت صدمة عاطفية مضاعفة حيث تمتزج عدة مشاعر حزينة معاً في آن واحد تبدأها بالحزن الذي ينتج عنه لاحقاً انكسار عاطفي، حتى ولو كان يعاملها في حياته بطريقة سيئة.
المشكلة المستقبلية التي ستواجهها الفتاة تتمثل في أنها ستعاني طوال حياتها من الخوف الدائم من الهجر وبالتالي ستقدم المزيد من التضحيات لشريك حياتها حتى ولو على حساب راحتها النفسية.
أثر فقدان الأب على الولد
الأب هو القدوة بالنسبة إلى الولد وهو سر أبيه ونرى دائماً تصرفات الأب تنعكس في سلوك الولد. الأب بالنسبة إلى الولد هو البطل الخارق ومصدر القوة والسلطة في البيت و الضمان المادي ولهذا فإن الابن يحيط الأب بهالة من التبجيل والتوقير اعترافاً من الذكر الأصغر بقوة و مكانة الذكر الأكبر, ويقتنع بمكانته و لايحاول أن يزاحم الأكبر بالفوز باهتمام الأم ورعايتها.
لكن بموت الأب يشعر الولد بانعدام الأمان والخطر و تهتز المنظومة التي اعتاد عليها و يشعر بخوف من عدم مقدرة الأم على الإلتزام بالمتطلبات المادية للأسرة. وتتجلى الصدمة عندما يحاول أحد الأقارب أو الذكور الغرباء أخذ مكان الأب الغائب في السلطة والتربية.
أثر فقدان الأم على الطفل
الأم هي مصدر الحنان و بقربها يشعر الطفل بالأمان العاطفي فهي التي تهتم بصحته ونظافته و بأكله وتخفف عنه إن شعر بالضيق والقلق, فالدنيا بما فيها مختصرة في وجود الأم وفي ذلك قال أمير الشعراء أحمد بشوقي:
الأم مدرسة إذا أعددتها ..أعددت شعباً طيب الأعراق
وفي حالة موتها تضطرب صحة الطفل الجسدية والعقلية ويدخل في حالة لاإرادية من العدوانية أو الانطوائية, ولا تحسبن أن فقد الأم هيناً على الطفل فالأمر اشبه بأخدود من الحزن قد انصدع في قلب أبناءها ويصعب مداواته أبد الدهر.
ليس هذا فحسب بل قد يسبب موت الأم إصابة الطفل بمرض التوحد وفي بعض الحالات يحدث انخفاض ملحوظ في المستوى العلمي يلاحظه المعلمون بسهولة نتيجة لشعور الطفل بعدم الاستقرار وفقد الإحساس بالأمان والرفيق الحنون في المنزل.
تكتمل سمفونية الحزن والألم والشعور بالضياع عندما يقرر الأب الزواج بأخرى وعادة ما تكون زوجة الأب منبعاً للشر والأذى وبخاصة عند غياب الوازع الديني والضمير فيتعرض الطفل لظلم في المعاملة فتتضاعف مشاكله, ويتجلى ذلك في ظهور التئتئة في النطق والتلعثم.
وقد يضع يده في فمه بشكل مستمر أو يبلل فراشه، فتقوم تلك التي انعدم منها الضمير بإيذائه بدلاً من احتواءه و محاولة التخفيف عنه.
وفي حالة كان من فقد أمه أنثى, فإنها تصبح أشد حساسية لكون البنت تتعلق بأمها وتقضي معها أغلب الوقت، لهذا تدخل في حالة من الاكتئاب الذي يفرض عليها الصمت وذلك لأنها فقدت من كانت تشاطرها أسرارها ومشاكلها الخاصة.
أما الولد فيشعر بعدم الارتياح ويفقد الطمأنينة و شعوره بجفاف كل شئ حوله وضياع معنى الحب والدفء ويشعر أن لصاً ما سرق طفولته وحرمه من مصدر الحب في حياته.
النتائج المترتبة على فقد الطفل لأحد الأبوين
سبق وذكرنا أن هناك تغير يطرأ على سلوك الطفل عقب وفاة أحد الوالدين ويكون هذا السلوك محاولة للتعبير عن الرفض و عدم تقبل الواقع المرير الذي حدث, ومن تلك المظاهر السلوكية ما يلي:
● التمرد والعصيان وعدم الاستجابة للأوامر.
● التبول اللاإرادي عقب قدرة الطفل على التحكم وقديحدث التبول الليلي ليس فقط مع الصغار بل قد لمن تجاوزوا العاشرة وذلك بسبب الصدمة.
● التشاؤم والخوف من المستقبل نتيجة للشعور بالنقص والضياع لغياب مصدر الأمان المادي في حالة فقدان الأب والشعور بغياب الحافز والطموح عند فقدان الأم.
● الخوف من الظلم, وخاصة عند وجود زوجة الأب الجديدة.
● الاستغراق في أحلام اليقظة وخاصة لدى المراهقات لمحاولة الهروب من الواقع والتعويض عما تشعر به من مشاعر الفقد.
● اليأس, عادة ما يصاب به الذكور نتيجة الخوف مما يحمله المستقبل.
● انخفاض المستوى التعليمي بشكل ملحوظ.
● الامتثال التام والخضوع للأم في حالة فقدان الأب و العمل بتوجيهاتها ورفض أي توجيهات من أحد غيرها نتيحة التعلق الشديد بها.
● الخوف المستمر من فقدان من تبقى والخوف الشديد من فكرة الموت.
● عدم القدرة على الاستقلال في المستقبل.
● ظهور أعراض مرض التوحد عند بعض الأطفال.
● الرغبة في الانعزال.
● الإحساس بالنقص مقارنة بتمتع الآخرين بأسرة كاملة الأركان.
● الاكتئاب.
● الانخراط في البكاء.
● كثرة الأسئلة المتعلقة بالموت مثل لماذا توفى والدي ؟ لماذا أنا يتيم ؟ هل سيعود والدي للحياة؟ هل يمكنني أن أراسل والدي.
كيف تتعامل الأم مع الطفل في حالة موت الأب
أقدر أن الخطب جلل وأنك مثل صغيرك تشعرين بالضياع والتخبط والخوف من المستقبل في ظل انعدام الأمان المادي وفي ظل غياب سندك و رفيق دربك، لكني أنصحك بالتماسك التام أمام الطفل ودائماً اجعليه يؤمن أنك ستقومين بكلا الدورين على أكمل وجه وأنك بجانبه وستكونين درعه الذي سيواجه به الحياة واعلمي أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال:” أيما إمرأة تأيمت على صغار لها فهي معي في الجنة” فهنيئا لك جنة فيها رسول اللهﷺ وأمهات المؤمنين.
تحدثي عن والد الطفل بإيجابية حتى ولو لم يكن كذلك وألفت نظرك أنه لم يعد موجوداً ولقول الرسول الكريم ﷺ: “اذكروا محاسن موتاكم”. وذكريه بذكرياته معه وأنه كان يحبه ويريد أن يراه في أحسن حال. دعي طفلك يعبر عن حزنه في حضنك وتقبلي تغيرات مزاجه واحتويها بصبر, دعيه يرسم ويلون.
إذا سألك لماذا ليس لي أب وباقي الأطفال لديهم أب أخبريه أنه مثل رسول الله ﷺ , ولد يتيما ولم ير أباه قط وفقد أمه وهو في السادسة من عمره ومع ذلك تجاوز عن فقدان من يحب وعلم الأمة كلها كيف تكون الرحمة والحب, وأخبريه أن أباه كان كفيله فيما مضى أما الآن فالله كفيله ومعينه ولن يتركه سدى.
لا تحرمي طفلك بالإحساس بالمناسبات و الأجواء المفرحة بقدوم رمضان والأعياد بحجة غياب الأب لكيلا يزيد ذلك من الحزن لديه بل اشتري له فانوس رمضان واشتري له ثياباً جديدة و اخرجا لصلاة العيد و اشتري له الألعاب وكأن أباه على قيد الحياة وعلميه زيارة قبر أبيه إن أمكن وأخبريه أن أباه عند الله يرى تصرفاته وسيفرح إذا أحسن التصرف واجتهد في دراسته وصار صالحاً.
كوني قوية فإن عنصر القوة قد غاب, واحيطي بأسرتك قدر المستطاع لتبقي عليها آمنة مستقرة كاملةً متماسكةً فقد أصبحتِ البؤرة الأساسية التي يلتفون حولها فلا تتبعثري فتتبعثر الأسرة وتذهب ريحها.
السلوك الأمثل لتعامل الأب مع الطفل في حالة موت الأم
الأب يختلف عن الأم فهو وإن كانت لديه مشاعر جياشة إلا أنه لا يجيد التعبير عنها نتيجة لطبيعة الذكور الخشنة. آن الأوان لترك تلك الطبيعة جانباً ومحاولة التقرب واحتضان الطفل ولعب دور الأم وتفقد أحوال الطفل الصحية ومتابعته ومشاطرته اللعب والتقرب منه و التعويض عليه قدر الإمكان.
إذا أردت أن تتزوج فاعلم أن من فقد أمه هو طفلك أنت ومعنى أن تجد بديلاً لها فليس بالضرورة أن يكون هذا البديل مناسباً لطفلك لهذا لا تركن لوجود الزوجة البديلة وتفقد أنت طفلك واجعل له الأولوية و تأكد دائماً من أن زوجتك تحسن معاملته ولا تركن لما تقوله هي، بل اخرج أنت وطفلك وألح عليه لتعرف كيف تعامله وإذا وجدت تقصيراً منها أو قلة وعي وضمير فأعلم أن من لا يتقي الله و ينكسر لمن فقد أمه ويرق قلبه له فلا خير فيه.
لهذا أنصحك بالتمهل والحذر واختيار من تتمتع بالضمير وتخاف الله. وليس معنى هذا أن تبحث عن مظهر ديني يتمثل في ارتداء زي معين فكم من شيطان يرتدي ملابس ملاك. اختر من هي ذات قلب رحيم ولا تفكر فيما يناسبك أنت بل ما يناسب هذا المحروم الذي فقد مصدر العطف والحنان.
ختاماً يجب أن يحتوي الجميع الطفل الذي تعرض لفقد أحد والديه ويعوضوه ويحاولوا التقليل من تبعات الصدمة والفاجعة على ذلك القلب الصغير الذي لا يتحمل صدمة أن تأخذ منه لعبة أو قطعة من الحلوى فكيف سيكون حال قلبه بعد أن فقد مصدر الحنان والقوة والحياة بالنسبة إليه!.
دمتم بكل ود..
منصة حلا لقصص الأطفال تنصح بقراءة المقالات الآتية:
انقر هنا لقراءة مقال كامل عن مرض التوحد عند الأطفال
انقر هنا لقراءة مقال كامل عن التبول اللاإرادي عند الأطفال