قصة الجزر الأربع والصياد المغامر – قصص و روايات منصة حلا 2024
قصة الجزر الأربع والصياد المغامر
في أحد البحار الواسعة كانت توجد أربع جزر ثلاث منها متجاورة يعيش عليها مجموعة من الشعوب الطيبة البسيطة وأما الرابعة, فكانت بعيدة نوعا ما. وكان أهل تلك الشعوب لا يستطيعون التواصل مع بعضهم والتعرف على بعضهم بسبب عدم توفر أي طريقة للتواصل.
كانت الجزيرة الأولى تدعى جزيرة الفواكه لأن أهلها يزرعون النخيل وأشجار الفواكه ويتغذون على الفواكه كوجبة أساسية. يصنعون الحلوى والعصير والفطائر كلها من الفواكه. وكان سكان جزيرة الفواكه يعانون من السمنة ويتصفون بالكسل ويميلون إلى الراحة والاستجمام.
أما الجزيرة الثانية فكانت تدعى جزيرة الخضار. كان أهل تلك الجزيرة يزرعون جميع أنواع الخضار والحبوب والسنابل والبقوليات, ويأكلون الخضار على الوجبات الثلاث ويصنعون الخبز منها والعصير أيضا. سكانها نحيلو الأبدان.
والجزيرة الثالثة, كانت جزيرة عجيبة. كان عدد سكانها كثير جدا ويتمتعون بصحة جيدة ويعانون من قلة الزراعة وقلة المطر. كان سكان هذه الجزيرة كثيرا جدا لكنهم فقراء يقتاتون على النباتات الموسمية وصيد السمك. أهالي هذه الجزيرة لديهم ملكة الابتكار والمغامرة والاكتشاف. ولطالما غاصوا في أعماق البحار واكتشفوا المرجان واستخرجوا منها اللؤلؤ.
وأما الجزيرة الرابعة فكانت تدعى جزيرة كانيبلز وهي بعيدة نوعا ما عن الجزر الثلاث الأولى, إذ لم يكن سكانها يحبون الأطعمة النباتية ولم تكن الزراعة مهنة رئيسية لهم. بل كانوا يقومون بتربية الطيور والمواشي وأكل منتجاتها وشرب ألبانها وسلق بيضها على موائدهم. وكانت تلك الشعوب شرسة جدا, ولا تحب التعارف ولا تؤمن به, بارعة في صنع الحلي والأسلحة.
وفي يوم من الأيام قرر شاب صياد من جزيرة الصيادين يدعى شجيع, الهجرة بحثا عن أرض جميلة وخيرا جزيل للحياة فيها. كان الشاب يقف كل ليلة عند الشاطئ ينظر إلى الطيور المحلقة حول تلك الجزر التي تبدو مليئة بالأشجار والنخيل ويتنمى أن يجد أي وسيلة للهجرة إليها.
ظل يفكر في تلك الجزر ليلا ونهارا, وفي إحدى الأيام وبينما كان غارقا في التفكير مر طير في منقاره عود خشبي وقام بإسقاطه في الماء أمامه. نظر الصياد إلى الطير المحلق في الأعلى ثم إلى العود الخشبي فرأه يطفو على الماء, فخطرت في بال الصياد شجيع فكرة جنونية:
(لماذا لا أصنع من الخشب شيء عجيبا استطيع استخدامه للتنقل على الماء!)
وبينما كان أهل الجزيرة العجيبة منشغلون في أعمالهم الشاقة, كان الصياد يقطع جذوع الشجر ويقوم بربطها حتى حصل على لوح مكون من عدة جذوع. قام بسحبه إلى شاطئ البحر فأبهره المنظر. كان اللوح طافيا على سطح الماء ولا يغرق. جرب الصياد أن يصعد عليه فوجده قويا متينا يطفو على الماء بشكل رائع ومفاجئ.
أطلق عليه الصياد أسم قارب لأنه ينوي تقريب المسافة بين جزيرته وتلك الجزر المقابلة بواسطته. وربط الصياد القارب وعاد إلى منزله ليخبر زوجته بنيته في الانتقال إلى الجزر المجاورة. صدمت الزوجة وخافت من الأمر خوفا شديدا وقالت:
(اتريد أن تقتلني وصغيري في قلب البحر الغادر لنموت موتة شنيعة لا يستطيع أن ينقذنا منها أحد)
تردد الصياد بعد حديثها ذاك لكنه لايزال مصرا على قراره ولم يتراجع, فشغف الاكتشاف قد تملكه وحب الارتحال قد أحكم قبضته على تفكيره العاشق للسفر فأجابها:
(حسنا سأجرب أنا, فإن مت فأخبري الناس في الجزيرة أنني لم أكن مجنونا ولكني أبحث لي ولهم عن سبل أفضل للعيش)
حاولت الزوجة منعه لكنه كان مصرا على المغامرة واستكشاف نوع جديد من الحياة. وبدأ يتدرب سرا يوما بعد يوم على التحكم بذلك المصنوع الذي أسماه قارب. حتى جاء موعد تنفيذ القرار, خرج الصياد خلسة في الصباح الباكر, وأخذ يودع جزيرته بنظراته عازما على السفر.
صعد الصياد على ذلك القارب البسيط وحاول تحريكه بجذع شجرة حتى ابتعد عن الشاطئ رويدا رويدا حتى صار القارب في قلب البحر. وعام القارب بعيدا ولم يستطع الصياد التحكم به فخبرته في التجديف مازالت حديثة, فتقاذفه الموج كأن وحوشا من الماء قررت اللعب بذلك القارب الصغير.
ظن شجيع أنه ملاق الموت ولا منجى له من الموت سوى الدعاء. ظل الصياد يدعوا الله ويدعو حتى فقد وعيه وهو متمسك بالقارب, فهبت رياح رحمة ودفعت قاربه باتجاه إحدى الجزر القريبة.
قصة الجزر الأربع والصياد المغامر (جزيرة الفواكه)
بينما كان القارب يقترب من جزيرة الفواكه تجمع سكانها وكانوا سمانا لهم كروش كبيرة يمتازون بالكسل وقلة الحركة. كان الجميع ينظر إلى هذا الشيء الغريب باندهاش كبير, ولما اقترب وجدوا عليه رجلا يبدو غريبا بملامح تبدو قوية. اقترب أهالي جزيرة الفواكه وحاولوا إنقاذ حياته حتى أفاق وعاد إلى الحياة.
مرت الأيام والصياد يتعرف على أهالي الجزيرة وعلى لغتهم وعلى طريقة حياتهم. في البداية كان سعيدا جدا بهذه الحياة الجديدة ويتمنى أن يحضر زوجته وابنه إليها لكنه مع مرور الأيام مل من أكل التفاح والفواكه, وأخذ يحكي لهم عن الحياة في موطنه وأسلوب عيشهم ويعرفهم على صيد الأسماك وطريقة شوائها.
كان السكان يعانون البدانة المفرطة ولا يقوون على صيد الأسماك بسبب كسلهم لكنهم مع مرور الأيام صاروا يأكلون السمك وبدا عليهم النشاط والصحة وتغيرت حياتهم نوعا ما إلى الأفضل. وفي إحدى الليالي المقمرة كان الصياد يجلس على صخرة على شاطئ البحر يفكر في زوجته وابنه فقرر العودة إلى جزيرته واحضارهم إلى هذه الحياة الجديدة.
وفي الصباح الباكر سحب قاربه إلى الشاطئ وحمل عليه كثيرا من الفواكه اللذيذة والتمر والماء وابحر باتجاه جزيرته. لكن الرياح العاصفة غدرت به للمرة الثانية, وعلى الرغم من محاولاته العديدة التحكم بسير القارب إلا أن القارب كان مدفوعا إلى اتجاه آخر, وكأن الأقدار كانت تشاء رسم حكاية أخرى.
قصة الجزر الأربع والصياد المغامر(جزيرة الخضار)
وعلى بعد مسافة من جزيرة الفواكه, كانت جزيرة تدعى جزيرة الخضار. اقترب القارب من الجزيرة فعلم الصياد أنه قد اقترب من جزيرة جديدة وقال في نفسه:
( ما المانع أن أتعرف على حياة جديدة)
كانت الشمس حارة والصياد شديد الإرهاق, فأثبت الصياد الجذع في أرض الشاطئ واخذ يتحكم بسير القارب حتى بات على مقربة من جزيرة الخضار, فرآه أهالي الجزيرة واحتشدوا بالقرب من الشاطئ مذعورين مندهشين لا يعلمون ما هذا الشيء الذي يقترب من جزيرتهم.
فأخذوا يركعون ويتوسلون إليه خوفا من أن يقضي عليهم. وصل الصياد إلى الجزيرة ورآهم على ذلك الحال فظن أنهم خائفون منه خاصة أنه كان يبدو قوي البنية أمام أجسامهم التي تبدو كالهياكل العظمية الفانية, فخطرت في بال الصياد فكرة وحدث نفسه:
(ما المانع أن انتهز فرصة خوفهم مني وأجعلهم عبيدا لي)
ابتسم الصياد شجيع وأشار إليهم أن يحملوه فحملوه مع قاربه وأنزلوه على مقربة من عرش ملكهم ثم نزل الملك عن العرش ليجلس هو. مكث الصياد فيهم أسابيعا يتعلم لغتهم ويتعرف على جزيرتهم الخلابة. كانت الجزيرة جميلة جدا جدا وخضراء وثمارها قريبة من متناول اليد.
شدت بعض النقوش على تلك الأحجار الضخمة في الجزيرة انتباهه, لكنه لم يفهم محتواها ولم يحاول حتى فهم تلك الرموز الغريبة على تلك الأحجار. كانت تلك النقوش عبارة عن قارب ضخم يحمل الكثير من البشر والحيوانات على موج هائل في البحر.
لم يعر الصياد تلك النقوش تركيزا كبيرا وانصرف إلى حياته الجديدة, إذ تعرف الصياد على نوع جيد من الطعام وأخذ يتبادل الأحاديث المختلفة مع أهالي الجزيرة, وشرع يحدثهم عن الطعام الذي يأكلونه وعلى رحلته إلى جزيرة الفواكه الشهية ويقترح عليهم تبادل الأطعمة والمنتجات معهم. وفجأة نظر كلا منهم إلى الآخر بريب وغضب ونهض ملكهم عندما سمع حديثه مندهشا:
(إذن أنت لست ملك البحار الموجود في أسطورة أجدادنا)
تعجب شجيع من حديثه وسأل ساخرا:
(حسنا, من ملك البحار وما الذي تقوله الأساطير في جزيرتكم؟)
ولم يلبث أن يضحك إلا وأمر الملك أهالي الجزيرة باعتقاله. علم السكان أن هذا الرجل الواقف أمامهم ليس ملك البحار الذي ينتظرون قدومه كما هو مذكور في اساطيرهم, وأنه مجرد رحالة آت من الجزيرة القريبة منهم, فالتفوا عليه فجأة وقاموا بربطه وشدوا وثاقه جيدا.
أدرك الصياد أن خرافات أهالي الجزيرة هي من أوقعهم في العبودية له, وأدرك أنه أخطأ حين قصر في فهم ثقافتهم قبل أن يحدثهم كثيرا عن نفسه فظل صامتا مربوطا يفكر في طريقة ينجوا بها من قتلهم. وظل شجيع في أسره مربوط حزينا طوال الليل يترجاهم أن يفكوا وثاقه من أجل العودة إلى جزيرته:
(أرجوكم, لم أكن أقصد استعبادكم ولم أكن أعلم بأمر الأسطورة)
اقترب منه الحارس الطيب وهو رجل هزيل جدا وسأله مشفقا على حاله:
(ما الذي دفعك إلى الجلوس على العرش الم تكن تقصد خداعنا)
نظر إليه الصياد نظرة ندم ثم أجاب:
(رأيت قوما سيطر عليهم الخوف مني فاستقويت عليهم..)
ثم طأطأ رأسه ندما وأضاف:
(فك وثاقي وأعدك ألا أعود إلى هذه الجزيرة مطلقا)
اقترب منه الحارس وأخبره بسر تلك النقوش التي رسمت في العصور الغابرة:
(هذه النقوش تعود إلى ملك البحار, حاكم العوالم والجزر اسمه قد محي ولا يبقى منه سوى حرف (N) ونحن ننتظر قدومه ليطوف بنا العالم بمصنوعه الضخم ذاك الذي ليس له شبيه بين المصنوعات)
ابتسم شجيع على الرغم من حزنه وأجاب:
(حسنا, كنت أظن أني أول من صنع هذا المصنوع.. لكن لماذا تفترضون أن ذلك الملك لا يزال حيا لم يمت على الرغم من قدم الأسطورة!)
أجاب الحارس بثقة بالغة:
(إنه ملك ملوك البحار وحاكم العوالم والجزر, والأسطورة تقول أنه ليس كباقي البشر وأنه قائد مخلص ويجب طاعته)
أدرك شجيع أنه قصر في فهم ثقافة تلك الشعوب, وأن فهم الشعوب يعد جزءا مهما في التعامل معهم والأمن من مكرهم. وفي الصباح استيقظ الصياد ليرى أقدام الملك أمام عينيه, رفع بصره إلى الأعلى فرأه واقفا وكأن أمرا ما يدور في خلده. نظر الملك إليه نظرة حادة ثم أمر بصوت جهور:
(فكوا وثاقه واتوني به)
جلس الملك مع الصياد وفهم منه تفاصيلا كثيرة حول رحلته وأسباب مجيئه إلى جزيرة الخضار, فطلب منه تعليم جنوده صنع القوارب والتجديف باتجاه جزيرة الفواكه مقابل حريته إلى الأبد والصفح عنه واتخاذه صديقا بدلا من كونه عدو:
(شعبي لا يجيد الصناعة وستنال حريتك في مقابل تعليمهم صنع ألواح (N) تلك التي اتيت عليها لنجعلك صديقا بدلا من كونك عدوا دخيل علينا )
أحاب الصياد بابتسامة:
(اسمها قارب, لأنها تقرب المسافات على البحر سيدي… ولا أعلم عن ألواح المخلص أي شيء)
و مع مرور الأيام, شرع شجيع في تعليم أهالي الجزيرة, لكنهم عجزوا عن الفهم فأبدانهم كانت هزيلة جدا ويفتقرون إلى القوة والفهم السريع. هنا وجد الصياد في هذه المهمة فرصة سانحة للمجيئ بكثير من سكان الجزيرة العجيبة إلى جزيرة الخضار فاقترب من الملك وقال له:
(في جزيرتنا توجد الكثير من الأيدي العاملة التي لا يصعب عليها أن تقوم بهذا الفعل, فأذن لي أن أرحل لأعود بهم إليك فيقومون بصناعة ما تريد من الأدوات مقابل أن تمنحهم من محاصيل موطنك الرائعة)
قصة الجزر الأربع والصياد المغامر (جزيرة الصيادين)
غادر الصياد جزيرة الخضار ومعه رجلين برفقته ثم عاد بعد أسابيع من الجزيرة يقود مجموعة من القوارب عليها رجال أشداء أقوياء. وصلوا إلى جزيرة الخضار وتعرفوا على أهلها ولغتهم وباتت الجزيرتين في صداقة يتعرف كلا منهم على سكان الأخرى ويتبادلون معا الصناعة والزراعة ويستفيدون من صناعة القوارب.
وعندما أصبحت جزيرة الصيادين العجيبة قوية وبينها وبين جزيرة الخضار تعارفا وتبادلا بالأطعمة والعمال, قرروا تعميم تجربة التبادل بينهم وبين باقي الجزر.
وقرر أهالي جزيرة الصيادين أن ينصبوا الصياد شجيع ملكا عليهم تقليدا لجزيرة الخضار وجهزوا له عرشا ضخما مكللا بالورود واللؤلؤ والمرجان.
وصنعوا الكثير من القوارب لتتجه إلى جزيرة الفواكه ذات الشعب الكسول. وبالفعل ذهب أسطولا من القوارب عليها الكثير من الصيادين يقودهم الصياد الذي دربهم على فنون الإبحار متحديين أمواج البحر حتى وصلوا جزيرة الفواكه.
سعد سكان الجزيرة عندما شاهدوا الصياد من بعيد, ولما وصل الصياد أخبرهم بأنه أحضر إليهم الكثير من العمال الماهرين في الصيد وصنع القوارب, وأن ذلك سيكون مقابل سكنهم على الجزيرة وتصدير الفواكه إلى جزيرة الصيادين.
وافق زعماء الجزيرة بسعادة وباشر العمال من اليوم الثاني عملهم, يقيمون مساكن لهم كبيرة على جزيرة الفواكه ويصنعون القوارب لأهلها ويعلمونهم الإبحار ويحدثونهم عن جزيرة الخضار بالقرب منهم.
مرت الأيام وأرسل زعيم قرية الفواكه سفيرا إلى قرية الخضار برفقة الكثير من المرافقين على عدد من القوارب يحملون الكثير من الفواكه وطلب منهم تعلم اللغة في تلك الجزيرة وطلب أن يستأنف تبادلا معهم. وعندما صارت الجزر الثلاث صديقة لبعضها البعض, يجري بينهم تبادلا بالبضائع والمصنوعات, ويستعينون بالأيدي العاملة, وقرروا صنع قوارب كبيرة جدا تشبه تلك المرسومة في نقوش جزيرة الخضار.
واقترح الزعماء أن يسمحوا لشعوبهم أن يقوموا بزيارة الجزر المجاورة والسياحة فيها للتعرف على عادات وتقاليد بعضهم فأصبحت الشعوب تتزاور فيما بينها وبات الوضع جميلا والحياة سعيدة جدا ذات طابع متجدد وساحر. لكن الملك شجيع لم يهدئ بعد وكان شغفه في حب الاكتشاف لا يزال يشده باتجاه تلك الجزيرة البعيدة شيئا ما. وفي ليلة من الليالي وهو يحدث نفسه:
(أيعقل أن تكون تلك الجزيرة أجمل ونحن لا نعلم, أيعقل أن العالم لا يزال مفعما بالجمال والثروة والثقافات المختلفة!)
قرر شجيع أن يرسل سفيرا ماهرا في الإبحار إلى تلك الجزيرة للتعرف على أهلها وخلق تبادل اقتصاديا معهم ثم تطوير العلاقة لتصبح تبادلا ثقافيا وسياحيا وتزور الشعوب بعضها وتتعرف على بعضها.
انطلق السفير وهدان إلى تلك الجزيرة البعيدة يصارع الموج بقاربه المتقن. ولما بات على مقربة من الجزيرة المنشودة, شاهد رجالا كأنهم الوحوش يرتدون عليهم من جلود الحيوانات ويلبسون الجواهر والذهب والفضة. التفت إلى مرافقيه سعيدا وقال لهم:
(لا بد أننا سوف نتعرف على شعوب استثنائية وسيعم بلادنا الخير كله)
لكنهم حينما اقتربوا, تفاجؤوا بتلك الشعوب ترفضهم وتفزع منهم وترميهم بقطع من المصنوعات الغريبة الحادة القاتلة, فسقط البعض منهم في البحر ليلوذ البعض الآخر بالفرار!
وصل الوفد وقد نقص عددهم وعليهم الكثير من الجروح العميقة, وهرع السفير وهدان, قائد تلك القوارب مع فريقه الناجي وحدثوا زعيمهم بكل ما حدث لهم مع سكان تلك الجزيرة. تفاجئ الملك ونهض من مكانه غاضبا:
(لا بد أنهم وحوش بشرية ولا ينبغي أن نسكت على ما فعلوه أبدا!)
قصة الجزر الأربع والصياد المغامر
طلب الملك من سفيره ومن معه أن يصفوا له شكل تلك الأسلحة التي بحوزة تلك الشعوب, فوصفوها له وصفا دقيقا وهم يقومون برسمها على الرمال لتقريب الصورة قدر الإمكان. علم الملك أنها مجرد مصنوعات من مواد الطبيعة والتفت إليهم وهو واثق من نفسه وأمرهم:
(لنصنع أشياء شبيهة أو أقوى من تلك التي بحوزتهم)
تحمس شعب الصيادين وقرروا المغامرة وبدأوا فعلا بصنع أسلحة أكبر حجما منها وأشياء كثيرة أقوى منها, ثم صنعوا سفنا ضخمة جدا تتسع للكثير من المقاتلين عليها حواجز تقي من عليها من أي مقذوف يأتي من المقدمة. وقام الملك بتدريبهم جيدا على استخدامها.
كان شجيع يخاف أن يهزم في هذه المعركة, فأرسل سفيرا إلى جزيرة الفواكه وسفيرا إلى جزيرة الخضار وطلب منه أن يشرح لهم الأمر جيدا وأن يطلب منهم العون بتجهيز رجالا أقوياء ليساعدوهم في تلك المهمة.
ولما وصل وفد جزيرة الصيادين إلى الجزر, قاموا بتجنيد الكثير من سكانها وبناء المعسكرات لهم وتدريبهم على استخدام تلك المصنوعات التي أطلقوا عليها أسلحة وعقدوا معهم حلفا عسكريا يقضي بتعهد كلا منهم بحماية الآخر في حال تعرضه للخطر.
عاد السفير عمير ليخبر الملك شجيع أن الجيوش العسكرية باتت جاهزة وأنها تنتظر الإشارة منه لتتحرك إلى جزيرة الوحوش البشرية لكن شجيع كان له رأيا آخر:
(سأرسل وردان, فهو رجل ذكي وفهيم ليتسلل إلى الجزيرة من الخلف ويتجسس عليهم ويتعرف على ثقافتهم والأمور التي يخافون منها, فتلك العقائد تساعد في إسقاط الشعوب أحيانا بغير الحاجة إلى الصراع والقوة)
انطلق وردان, الشاب الذكي وكان قصير القامة كثيف الشعر حاد البصر, قوي البديهة, وأبحر باتجاه الجزيرة مع وهدان السفير الذي يعلم الطريق المؤدي إليها وتسللوا إليها من الخلف ودخلوا واختبأوا في الأشجار الكثيفة وبدأوا في مراقبة ذلك الشعب الغريب.
ظل وردان يراقب تلك الشعوب متسللا بين أشجار الموز وجوز الهند متخفيا في الكهوف وخلف الصخور. لفت انتباهه أنهم يبجلون صاحب الرمح الكبير ويخافون منه. التفت وردان وهمس بصوت خافت لصديقه وهدان:
(انهم يحترمون الرجل الذي يملك مصنوعا أكبر, لاحظ أن كل شخص يركع لمن يملك مصنوعا أكبر من مصنوعه)
أجاب وهدان وهو يراقبهم:
(نعم لاحظت ذلك, التمايز والاحترام مبني على القوة.. اعتقد أننا قد فهمنا السر الآن ولا نحتاج المكوث لفترة أطول)
حاول الصديقان التراجع إلى الخلف, لكن قدم وهدان انزلقت فسقط. سمع الكانيبلز صوته وهرعوا باتجاهه بسرعة يحاولون قتله. حاول وردان ووهدان الهروب لكن الكانيبلز استطاعوا أن يمسكوا بهم.
قامت الوحوش البشرية بضرب الرجلين ضربا مبرحا وربطهم على جذع نخلة باسقة. وتجمعوا حولهم يصدرون أصوات كأصوات البجع المهاجرة. التفت وردان إلى صديقه وهمس بصوت خافت:
(يبدو أنها لغة ترتبط بالنصر)
فأجابه وهدان ممتعضا ومستاء:
(قريبا يا صديقي ستتمكن من فهم لغة بطونهم بعد أن يأكلونا)
نظر وردان إلى الحارس الواقف أمامه وهو يحدق في وجهه بعينين واسعتين كأنه نسر ينوي ابتلاعه فحفزت تلك النظرة فيه حب الاكتشاف فأخذ يبادله التحديق بذات النظرات.
تفاجأ الحارس من نظرات وردان الحادة واقترب محدقا فيه بقوة حتى كاد أنفه يلامس أنف وردان. علم وردان أن طريقة التحديق تلك ترمز إلى التحدي والقوة فأمعن في التحديق بقوة مبالغ فيها جعلت من الحارس يخاف ويقفز قفزة إلى الخلف.
شعر وهدان بالخوف وبدأ يبكي, فقام وردان بإسكاته بحزم ثم عاود النظر والتحديق في وجه الحارس. وفجأة قام الحارس سريعا بفك وثاق وردان وأشار إليه متحديا ورمى بسلاحه على جنب.
ظل وهدان يتابع ذلك الصراع بخوف وطمع يأمل أن ينتصر صاحبه القصير وردان فيها لكن الحارس كان يشبعه ضربا. وبحركة سريعة اختفى وردان بين الأشجار الكثيفة وتبعه الحارس يبحث عنه. ابتعد وردان بعيدا وتبعه الحارس بينما ظل وهدان يبكي ويرثي حاله.
وفجأة شعر بحركة خفيفة خلفه تفك وثاقه. التفت وهدان إلى الخلف ليجد صديقه مبتسما يهمس في أذنه:
(اتبعني بسرعة!)
هرب الاثنان بسرعة عالية وخطوات رشيقة, حتى وصلا القارب وفكا رباطه بحذر وترقب وغادرا الجزيرة في ظل ليلة باردة وموج متلاطم. ولما بلغا جزيرتهم كانت الجيوش جاهزة للبدء في الانقضاض على تلك الجزيرة. ساعدت المعلومات التي أقبل بها وردان شجيع في معرفة نقاط الضعف لدى تلك الشعوب.
صنعوا رماحا يصل طول كلا منها إلى مترين ولبسوا عقودا من اللؤلؤ على رقابهم ووضعوا على رؤوسهم تيجان من المرجان. وأخذوا كمية من الطين في زوارقهم وانطلقت السفن المحاربة تحمل جيوشا ضخمة من ثلاث جزر لتصل إلى جزيرة الكانيبلز وحاصرتها من ثلاث اتجاهات.
تجمع أهالي جزيرة الكانيبلز استعدادا لحرب القادمين الجدد, لكنهم شاهدوا وجوها ملطخة بالطين ورماحا طويلة وحادة وأعدادا وحليا تفوق قدرتهم على المقاومة, فأشار ملكهم بإشارة تعني الاستسلام ليترك كل من على الجزيرة سلاحه ويخر في الأرض مستسلما.
ودخلت الجيوش وسيطرت على تلك الجزيرة ووجدت أنها مفعمة بالينابيع والخير والمواشي. ووجدوا فيها معادن من الذهب والفضة وأدركوا أنها الأغنى بين تلك الجزر.
أصبح قائد الحملة العسكرية وردان ملكا لها وحكم ذلك الشعب وتبادل مع باقي الجزر المأكولات ثم علم أهلها الصناعة وتعلموا منهم صناعة المجوهرات والمصوغات الثمينة.
وعلى الرغم أن شجيع هو صاحب الفكرة وهو مكتشف الجزيرة الأول إلا أن وردان استطاع اقناعهم أنه الأحق بملكها والسيطرة عليهم وأنه ملك الأسطورة المنحوتة على تلك الصخور في جزيرة الخضار, فخضعت له ولحكمه الجزر الثلاث. وأصبح الأقوى والأغنى بجيشه وثروته وشعبه بين الجزر الأربع.
ومع مرور الأيام أصبحت الثلاث الجزر تحت أمرته لا يمر شيء في البحر ولا سفينة إلا بموافقته وبات هو حاكم البحار والجزر الأربع. صاحب أضخم سفينة في البحر, يصدر المواشي والحيوانات إلى جميع الجزر في البحر.
لم تكن تلك النقوش على صخور الجزيرة إلا تاريخا قامت الشعوب البائدة بنحته على الصخور, يروي قصة رجل اتاه الله النبوة يدعى نوح. ولكن شعب تلك الجزيرة أساء الفهم واعتقد بوجود تلك الشخصية وتوارثوا تلك المعتقدات حتى باتت قيودا على عقولهم وفخا كبيرا أوقعهم في حكم وردان.
رسالة المؤلفة عبر قصة الجزر الأربع.. زائر منصة حلا الصغير, حاول أن تستنبط الآتي من القصة:
1- التبادل بالمزروعات يسمى في عصرنا الحالي (تبادل اقتصادي وتجاري) واليد العاملة.
2- الهجوم على جزيرة الكانيبلز يسمى في التاريخ, عصر الكشوف الجغرافية (اكتشاف الامريكيتين)
3- الحروب حدثت بين المستكشفين والدول البدائية في العصور الوسطى.
4- التعرف على ثقافات الآخرين يسمى (تواصل حضاري) ويسمى الآن سياحة.
5- كلما كنت أكثر إدراكا لثقافة الشعوب ومعتقداتهم, كلما استطعت التعامل معهم بل ويستطيع من يعرف ثقافتك ومعتقداتك أن يهاجمك عن طريقها.
زبيدة شعب..
انقر هنا لتقرأ على منصة حلا قصة قصر البوابة السوداء
انقر هنا لتقرأ على منصة حلا قصة غول الجبل والخادم الذكي
روايات للاطفال – روايات اطفال – روايات قصيرة – منصة حلا – قصة الجزر الأربع – روايات اطفال – قصة الجزر الأربع – قصص اطفال 15 سنة –