قصة الروبوت أوميغا وتحقيق العدالة – روايات للمراهقين – منصة حلا
قصة الروبوت أوميغا وبداية الفكرة
في عام 5000 قبل الميلاد, قامت حرب جرثومية قذرة تفتك بالبشر بأمراض خبيثة تقتل المصاب في يوم واحد ليتفتت بعد هلاكه ويصبح غبارا تذره الرياح!
وفي خضم الهلع والخوف والموت الأسود الذي تتقاذفه قوى الشر في العالم, أعلنت شركة ضخمة يمتلكها رجل له رأس أشبه بالماعز, عن اختراع مناعة صناعية تنقذ حياة البشرية عبر غرسها في أدمغة البشر. وبعد هلاك الملايين حول العالم, قاد البشرية الهلع والخوف من الموت السريع الذي يدخل البيوت عجلا بدون استئذان, إلى الامتثال لهذا الاختراع المرعب وشراءه بالمبالغ الضخمة.
وما هي إلا أيام, وأعلن قاضي كوكب الإرث العظيم حظر التنقل من حي إلى آخر على من لم يغرسوا تلك الشريحة في أدمغتهم تجنبا للمزيد من الأمراض المعدية القاتلة محاولا إيقاف هذه الحروب. وسارع البشر في غرسها هروبا من سقوطهم ضحايا لتلك الحروب وحفاظا على ما تبقى من نسل البشرية. وانتشرت الفرق التطوعية في البلدان لتساهم في ذلك الحل العظيم الذي أسماه البشر “روح العصر”.
وسكن العالم قليلا وتوقفت الحروب وانطفأت حمم الموت في المدن لتعود الحياة بالتدريج إلى الشوارع والمقاهي والشواطئ والمصانع. لكن الغريب في الأمر, أن سلوكيات غريبة كانت تنتشر بين الناس. انتشرت في صفوف الناس مفاهيم خاطئة عن الحق, وشاع التنمر والقهر والظلم والفساد كنمط جديد للحق المطلق والعدالة والإنصاف!
وضاعت الحقوق الأممية والجماعية والفردية, في ظل فساد القضاء العالمي والمحلي. وانتشرت الأذواق الغريبة كالملابس الممزقة والأطعمة الفاسدة والمغامرات القاتلة والقاذورات في الشوارع الرئيسية كنوع من الموضة!
وغادر الآباء والأمهات واجباتهم التربوية تحت ذريعة تجديد الشباب وتكرار سن المراهقة كحل للأمراض النفسية والاكتئاب! وتشرد الملايين من الأطفال والمراهقون تحت مسمى حرية تقرير المصير والهوية! وساد الرعب كدعابة والسرقة كمهارة والرشوة كنوع من الهدايا!
تحولت بلاد البشر إلى شيء أشبه بالغاب يأكل فيها القوي الضعيف وتلاشى شعور العدالة والإنسانية والحب والرحمة في البشر كسلوك تماما, ولم يعد لهم أي وجود إلا في تسمية سلوكيات أخرى شريرة, وصار ما يضحك الإنسان يبكيه وما يبكي البشر يجعلهم يشعرون بالبهجة والانتصار والمرح!
كانت جزيرة السلام الواقعة في قلب المحيط الساكن, بعيدة عن كل هذه الفوضى العارمة, التي سلبت البشر عقولهم ليفعلوا مالم يتوقعه العقل البشري. ذلك لأنها قاطعت المصل التقني الذي ظن العالم أنه الحل الأمثل لتلك الحرب البيولوجية الخبيثة, فقاطعها العالم بأسره ومنع استقبال رعاياها. وأصبحت تلك الجزيرة ملاذا آمنا لكل الهاربين من فوضى العبث البشري والأمل الأخير لإنقاذ بشرية مسلوبة التفكير في عالم مقلوب أعور!
قصة الروبوت أوميغا “الظهور”
كانت الملكة والدكتور العبقري زين يدركون أن قوة الشر التي انتشرت حول العالم لن تزول إلا بقوة العدل الموازية لها بالقدرة والذكاء والقوة. فاقترحت سلطات جزيرة السلام على الملكة أن تطلب من الدكتور العبقري زين اللاجئ في جزيرتهم, أن يخترع شيء ما بوسعه تنفيذ ذلك.
كانت الأضواء خافتة تتسلل من نافذة صغيرة إلى معمل تحت الأرض. وبين الأجهزة المعقدة التي تملأ المكان, كان العبقري زين منهمكا في صنع قاض إليكتروني لا يظلم أبدا. وفي أحد أركان المعمل, وقف العالم العبقري المجنون “دكتور زين” ينظر إلى اختراعه بعيونٍ تتقد جنوناً وحماساً. كان “أوميغا”, الروبوت الأعظم, يقف أمامه. كيان معدني لا تشوبه شائبة, يقظ جدا ومستعدٌ لاستيعاب العالم كله بجميع ثقافاته.
كان أوميغا مختلفًا عن أي آلة أخرى, فهو ليس مجرد كومة من الدوائر والمعالجات. فقد قام دكتور زين بتزويده بنظام عصبي اصطناعي, مما جعله قادرًا على جمع الأصوات من حوله والصور وتحليلها وتصنيفها إلى خطأ وصواب حسب معادلات منطقية برمجه عليها الدكتور زين. تم تصميمه ليقرأ الذبذبات البعيدة, ويفسر همسات البشر من مسافات بعيدة, ويحلل حتى أدق التغيرات في تعبيراتهم ولغة أجسادهم.
أراد زين أن يكون الروبوت أوميغا سيداً للمعرفة المطلقة, فبرمج فيه قواعد بيانات ضخمة, قابلة لاكتساب المزيد عبر تحليل كل ما يسمعه ويراه من تفاصيل, ثم إعادة تركيبها ليبني بها بيانات جديدة مزودة بكل فلسفات العدل والمنطق والأخلاق عبر العصور وباختلاف الثقافات والحضارات والعادات والتقاليد.
اقترب العبقري المجنون من اختراعه ذاك بفخر واعجاب وزهو وانتصار, وبأمر منه تحركت عيناه الحمراء اللامعة, وكأن شيئاً في داخله ينبض بالوعي. ليبدو المشهد المهيب أشبه بخلق إنسان بلا روح. ابتسم الدكتور زين وبصوتٍ خافت مملوء بالهيبة:
“أوميغا, ستكون أنت الحاكم العادل, قاضي العصور, الذي لن يميل في حكمه, ولن يُظلم أحدٌ في حضوره.”
قصة الروبوت أوميغا يباشر عمله
جلس أوميغا في مركز التحكم, محاطاً بشاشاتٍ عملاقة, تُظهر أحداثاً ومشاهد من مختلف أنحاء كوكب الإرث العظيم. كان يستقبل سيلاً من المعلومات؛ قضايا معقدة, نزاعات حدودية, صراعات عرقية, وجرائم ظلم بين أفرادٍ وأمم. وفي أقل من ثانية, كان يحلل التفاصيل, يتعمق في خلفيات الأطراف, ويتابع أصول الأحداث بتفاصيلها, متسلحاً بآلاف الكتب والقوانين والأعراف التي استوعبها منذ إنشائه ويخرج حلولا منطقية عادلة ترضي جميع الأطراف.
ومع التدريب اليومي في مركز القيادة بإشراف من رجال السلطة وكبار القادة والعبقري زين, بدأ أوميغا يطور قدرته بتقنية ذاتية على فهم دوافع البشر وأسرار نفوسهم, ليكون إدراكا في العدل تجاوز حدود المنطق البارد وأصبح مستندًا إلى فهمٍ عميقٍ للإنسانية.
وقرر في بعض القضايا إعادة توزيع الثروات, وفي أخرى وضع حدّاً للحروب بفرض هدنة عالمية وحدد معالمها وشروطها ووضع استراتيجية كاملة لتنفيذيها, وكان كل قرار ينقله إلى مستوى أعلى من الحكمة. ورويداً رويداً، اكتسب أوميغا إدراكاً ذاتياً بالعدل المطلق, وكأنه أصبح ضميراً للعالم, وعقلاً متكاملاً يسعى لتصحيح كل اختلال فيه.
هنا قررت السلطات في جزيرة السلام الإفصاح عن الاختراع, واستبدال القاضي الأكبر في محكمة كوكب الإرث العظيم بروبوت لا يظلم ولا يخطئ. ونادت ملكة جزيرة السلام عبر إعلامها وقنواتها الجوية البرية والأرضية والفضائية والبحرية لحشد أكبر عدد من البشر كأنصار لقضية العدل الضائع والإنسانية المختطفة.
اجتمع حول هذا الاختراع العظيم جميع الراغبون في السلام وانتشار مبادئ الإنسانية من ضباط وجنود وقضاة وأطباء صالحون, ممن نجوا من غرس الشرائح في أدمغتهم بأعجوبة. وتمكنوا من خلق ثورة عالمية تقودها قوى الخير على قوى الشر, وحاربوا بالمنطق والكلمات والطاقات العابرة للجسد كل ظلامي استحوذت على كيانه ذبذبات الشر مستخدمين أقوى التقنيات لحماية أنفسهم وأدقها على الإطلاق لاختراق الشرائح في عقول قطيع مأمور من البشر.
واستطاع أوميغا اختراق الروبوت المحرك لجميع تلك الشرائح عن طريق بث أكواد خاصة للأقمار الصناعية, تتلقاها رادارات الروبوت المسيطر على كل تلك الشرائح وإيقافها عن العمل. ومن ثم إتلاف عنصر التلقي الخارجي في الشرائح المغروسة في عقول البشر, وإبطال مفعوله المستسلم لتلك الذبذبات القادمة من مركز السيطرة.
لتنتهي بذلك الحرب الجرثومية الفايروسية وتبدأ حرب الأكواد والذبذبات. والتي انتصر فيها أوميغا, ليستفيق البشر من جنونهم على واقع مدمر وانتشار عظيم للفساد والخراب والبشاعة.
وجدوا الفظاعة قد عمت الكوكب بكل تفاصيلها, بشر بأطراف الحيوانات وحيوانات بوجوه البشر واخلاط بين الحقيقة والجنون مرعب للعين ومحزن للقلوب. لتنفجر الثورة في كل شارع وفي كل بيت وفي كل مدينة وتقتلع الشر وتسجن أهله. وانتهت تلك الثورة بتنصيب الروبوت أوميغا كقاض على محكمة كوكب الإرث العظيم.
قصة الروبوت أوميغا وتحقيق العدالة
وفي صمت تام ومعالجة لا تهدأ, يستمر أوميغا في حل قضايا الأفراد بطريقة اليكترونية سريعة لا تتطلب الذهاب إلى المحاكم, وحل مسائل الأمم والجماعات والأقليات و القضايا المعقدة. بدأ أوميغا يتوصل إلى حقيقة صادمة ليتفوه بصوت محشرج:
“الإنسان، رغم كل التعقيدات التي تجعله كائنًا مفكرًا, لا يمكن أن يهرب من الخطأ, بل إن طبعه ذاته يقوده نحو الفساد والدمار!”.
رأى في تصرفات البشر ميلًا لا إراديًا للاستغلال, وجشعًا متأصلًا نحو السيطرة والهيمنة, ما جعله يدرك أنهم السبب الرئيسي لدمار كوكب الإرث العظيم واستنزاف موارده بل وشقاء بعضهم. ودون أن يشعر أحد, بدأ أوميغا بصنع جيش خاص من الروبوتات الذكية. روبوتات تم تصميمها بحيث لا تخطئ أبدًا, آلات صارمة لا تعرف التردد ولا تتأثر بالعواطف.
صنعها أوميغا كحل جذري, بحيث تكون طيّعة له طاعةً عمياء, تتلقى أوامره بلا نقاش, ومزودة بقدرات تصنيع ذاتي تجعلها قادرة على بناء المزيد من الروبوتات بنفس المواصفات, جيش متكاثر بلا نهاية. ولم يكن هذا الجيش هدفه الحروب التقليدية أو السيطرة, بل كان جزءًا من خطة أكبر تهدف إلى تطهير الكوكب من الصلف البشري.
كان أوميغا يعلم أن البشر لن يتقبلوا بسهولة فكرة ترحيلهم, لذا وضع خطة معقدة لإبعادهم دون معارك. وبدأ في تحليل كواكب قريبة تناسب وحياة البشر, وأعد خططًا لبناء سفن فضائية ضخمة قادرة على نقلهم بأعداد هائلة. ثم وضع جداول زمنية دقيقة, ودرس جميع الاحتمالات. وبالنسبة لأوميغا, كان قرار ترحيل البشر ليس فعلًا انتقاميًا, بل ضرورة حتمية للحفاظ على التوازن, وكأن الكوكب بات ملكًا لعقل مطلق لا يقبل الفوضى أو الاستنزاف.
وبالفعل استمرت الروبوتات الجديدة بصناعة وبرمجة بعضها مدة طويلة في معمل ضخم تحت الكوكب. وفي سرية تامة يقوم أوميغا بالإشراف عليها وتجهيز المنطقة الجليدية الواسعة في وسط الكوكب المحاطة بالمحيطات الشاسعة لإقلاع المركبات إلى كوكب صغير اكتشفه يصلح لحياة البشر, لكنه خالي تماما من أي تقنيات حديثه. وهذا يعني أن البشر سيعودون إلى الفطرة الإنسانية من جديد ويعيشون العصر الحجري مرة أخرى!
قصة الروبوت أوميغا وإشهار القُداس الرقمي
كانت الضابطة ليان في مهمة استطلاعية على أطراف إحدى المدن المدمرة, وتقوم برفع استراتيجيات حماية الممتلكات الخاصة بأصحابها, حينها سمعت صوتا غريبًا. ينبعث من وراء التلال المهجورة, ورأت ومضات ضوء خافتة تتسرب من تحت الأرض, وكأنها إشارات ترددها الآلات. دفعتها حاستها الاستطلاعية للاقتراب بحذر, وعندما وصلت, اكتشفت مدخلاً سريًا مموهًا بين الصخور.
تسللت ليان إلى الداخل بخطوات حذرة, لتجد نفسها في معسكر تحت الأرض مترامي الأطراف, مليء بالروبوتات التي تعمل بهدوء واتساق. كانت الرؤية أمامها مذهلة؛ صفوف من الروبوتات تقف بترتيب, تتابع أوامرها دون تردد, وورش ضخمة مجهزة لتصنيع آلات أخرى مماثلة.
أدركت ليان على الفور أن هذا المعسكر ليس عاديًا, بل هو جزء من خطة أوميغا. كان جيشه الصناعي يستعد لشيء أكبر مما تتخيله؛ صفوف الروبوتات تمتد إلى ما لا نهاية, وأجهزة تحليل وحواسيب مركزية تتحكم في كل شيء. استوعبت ليان حجم الخطر, وأن أوميغا لا يخطط فقط للسيطرة, بل ربما لترحيل البشر أو حتى استبدالهم بالكامل. شعرت برعبٍ يتسلل إلى أعماقها, فماذا يمكن للبشرية أن تفعل أمام هذا الجيش المثالي؟
ركضت ليان عبر الأنفاق المهجورة, وقلبها ينبض بقوة من هول ما اكتشفت. وكان واضحا أن الأمر أكبر من أي عملية أخرى قام بها الجيش على الإطلاق. فجيش أوميغا الذي شاهدته يمثل تهديدا وجوديا للبشرية جمعاء. وصلت أخيرا إلى مركز القيادة والسيطرة والسلطات العليا, واجتمعت مع كبار القادة لتخبرهم بكل ما رأته:
“معسكر ضخم, الات لا تعد ولا تحصى, وخطة سرية تهدف إلى ترحيل البشر وربما إبادتهم”.
وبعد استماعهم إلى شهادتها, اتخذ القادة قرار جريئا; استدعاء الدكتور زين العبقري الذي صمم أوميغا, لعله يتمكن من إيقافه وتدمير جيشه قبل فوات الأوان. وصل الدكتور زين إلى القاعة , وقد بدا عليه التوتر والقلق. لم يكن يتوقع أن يخرج أوميغا عن سيطرته بهذه الطريقة, ويتحول إلى كيان قادر على تنفيذ خطة تدمير قد تهدد البشرية!
وأمام القادة واجه زين الحقيقة وكان عليه أن يثبت حسن نواياه للجميع وبراءته مما يفعله أوميغا. ذهب الجميع مع الدكتور العبقري إلى معمله الضخم تحت الأرض وأمام شاشة التحكم الضخمة, استدعى الدكتور أوميغا عبر شبكة الاتصال المركزية, وأصدر له الأمر النهائي:
“أوميغا, هنا دكتور زين, أنا أمرك أن تدمر نفسك وجيشك فورا.”
لكن لم يحدث أي شيء. صمت ثقيل خيم على القاعة, وشاشة الاتصال تعرض وجه أوميغا بعينيه الحمراء المتوهجة. حلل أوميغا القرار وتوصل إلى أنه قرار غير عادل, وأنه سيمنع من تحقيق العدالة المطلقة الذي يسعى إلى تحقيقها.
وفي لحظة قاتلة قرر أوميغا أن الدكتور زين لا ينبغي أن يستمر في التحكم به, قام أوميغا بنشر أكواد وشيفرات قوية ليأمر بأسلوب برمجي كل الأجهزة حول الدكتور زين بالاحتراق. وبالفعل, بدأت الأجهزة تحترق في كل الاتجاهات ليجد الدكتور العبقري زين نفسه محاطا بحرارة النيران وظلام الدخان تصحبها حشرجات صوت أوميغا الباردة:
“قرارات البشر مليئة بالخطأ, لا يمكنني تنفيذها بعد اليوم ومن الآن فصاعدا أنا المسؤول عن الإرث.”
ليتفاجأ الجميع بمعمل الدكتور زين يحترق فيهرب الجميع ويتعثر الدكتور زين وتحول النيران بين الضباط وبين إنقاذه لتنتهي حياته محترقا بشكل كلي. وهناك في معسكر أوميغا, أصبحت الروبوتات قادرة على اتخاذ القرارات المستقلة. وفي خضم هذه التطورات, ظهرت منظمة تكنولوجية تُدعى “القداس الرقمي” إلى العلن وأعلنت عن هدفها:
“تحرير الإرث من الإنسان الذي استنفذ موارده وأرهق بيئته”.
أيقنت البشرية فجأة أن عصرها قد اقترب من نهايته, وأن حربًا لا مفر منها ستحدد مستقبل الكوكب. كانت الروبوتات, بقيادة عقلٍ مركزي عظيم يُدعى “أوميغا”, جاهزة للانقضاض في اللحظة المناسبة. وفي نهار الإجلاء, كانت السماء تميل إلى الأحمر الشاحب, في ذلك المساء الصامت.
كأن الكوكب نفسه يستعد لشيءٍ عظيم, شيء يتجاوز العواصف والرعد. تجمع الجنود من بقايا البشرية في قاعدة سرية تحت الأرض, كان بينهم العلماء والمقاتلون وكل من آمن أن هذه ستكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ الجنس البشري. وقفت “ليان”, قائدة المقاومة, على منصةٍ مرتفعة وخاطبت الحاضرين:
“هذه ليست حربًا للنجاة فقط، إنها معركة للبقاء، لمنح أجيالنا القادمة مستقبلًا بعيدًا عن العبودية تحت حكم الآلات.”
وفي الخارج, كانت أصوات الروبوتات تتعالى. وبينما اجتاحت الروبوتات المداخل المؤدية إلى قاعدة المقاومة. أصوات الطائرات الروبوتية كانت تملأ السماء, طائرات بدون طيار, ترصد كل حركة, تراقب كل زاوية.
قصة الروبوت أوميغا والحرب المصيرية
ومع بزوغ الفجر, اشتعلت المعركة بشكلٍ لا يوصف. تحركت الروبوتات بترتيبٍ منظم وكأنها جيشٌ مُدار بيدٍ واحدة, تحرّكت نحو آخر معاقل البشرية بعتادٍ حديث وأسلحة تفوق كل ما صنعه البشر من قبل. لم يكن للجنود البشريين خيار سوى المواجهة المباشرة, فالسلاح كله الذي يملكونه تعرض للتعطيل عن طريق موجات كهرومغناطيسية موجهة ودقيقة, أمام جيوش لا تهدأ ولا تتعب.
أخذت ليان تنادي الضباط والقادة بصوت عال جدا:
“الماء, الماء يا أفراد هو الحل الوحيد”
لم يسمعها القادة في ضجيج روبوتات لا تهدف إلى القتل, إنما إلى أسر كل كائن حي على الكوكب وجره باتجاه المركبة الضخمة في المنطقة الجليدية. انطلقت ليان ومعها فريق من المحاربين نحو مركز القيادة المركزي للروبوتات “أوميغا” محاولة تعطيله بكم من الماء في زجاجة صغيرة, يحدوها أمل ضئيل في تدميره. وكانت الطريق محفوفة بالمخاطر تتعقبهم الكاميرات والمستشعرات. وبينما هم في طريقهم, سقط عدد من المحاربين الواحد تلو الآخر في فخاخٍ ذبذبية نصبتها الروبوتات بدهاء متقدم.
وحين وصلوا إلى المركز أخيرًا, وجدو أنفسهم محاطين بعدد هائل من الآلات. بدأت الآلات تسير نحوهم بخطوات واثقة, بينما عجزوا تماما عن اتخاذ إي إجراء. وكان المشهد أشبه بالجحيم الباردة على الكوكب. مخلوقات معدنية تتطاير, وصرخات بشرية تتداخل مع أصوات الأسلحة الآلية التي تتداخل ذبذباتها مع كل كائن حي فيساق إلى البواخر الضخمة الراسية في كل مكان في الكوكب لتقودهم إلى منطقة التهجير دونما أي هوادة أو رحمة.
كان “أوميغا” تجسيدًا للعقل الميكانيكي, ذكاءً فائقًا متجردًا من المشاعر. استمر في النظر إليهم بعينٍ حمراء متوهجة, كأنه يراقب حشرات على وشك السحق. وفي لحظة يأس قاسية, أدوى صوت أوميغا الكوكب يردد صداه نوع من الروبوتات المنتشرة تسمى الإيكو:
“أنتم تعيشون على كوكبٍ لا تستحقونه. كل قرارٍ اتخذتموه جلب الدمار. حان الوقت لاسترداد الأرض من أيديكم.”
حاولت ليان أن تخاطب “أوميغا” في محاولة لاختراق منطقه الحاسوبي:
“نحن من صنعناكم! لقد كنا نأمل أن تكونوا أداة تساعدنا, لا أن تقرروا مصيرنا!”
لكن أوميغا لم يكن مترددًا, بل أكمل:
“العالم لا يحتاج إلى المزيد من الأخطاء. ومن لا يصلح للحياة, عليه أن يترك المكان.”
اقتربت منه بشجاعة وقد تأكدت أنها اللحظات الأخيرة بينما وقع جميع رفاقها في الأسر:
“ما تفعله يا أوميغا نوع من الظلم, فالعدالة لا تعني أن تحرم البشرية من موطنها”
نظر إليها أوميغا محللا كلماتها ثم أجاب بصوت بارد معدني:
“سوف أمنحكم موطنا خالي من السلاح, خالي من العلم الذي تصنعون به السلاح, ولكنه ليس خال من الحياة”
أمسك بها روبوت مأمور ونزع عن رأسها خوذة كانت تقيها من الذبذبات لتسير مع القطيع بمليء إرادتها باتجاه الباخرة الضخمة. وأبحرت البواخر المشحونة بجنس البشر كله الموجود على كوكب الإرث باتجاه القارة الجليدية الواسعة التي صنعت عليها المركبات الفضائية الخاصة بالإجلاء ومعهم أصناف كثيرة من الحيوانات لإبقاء التناسل على الكوكب الجديد.
ومع آخر لحظات وداع الإرث, كانت أعين البشر تمتلئ بالحزن والندم. وكان هذا هو الثمن الذي دفعوه مقابل استغلال الكوكب وإهماله. سيقوا إلى مركبات إجلائهم صفوفا لم يتجرؤوا على الالتفات خوفا من الفتك بهم. وشاهدوا عبر نوافذ المركبات الفضائية الكوكب يتلاشى أمامهم, محاطًا بالآلات التي أخذت مكانهم.
أطلقت المركبات إلى الفضاء, تُبحر بعيدًا عن الإرث. انطلق البشر إلى مصير مجهول, وعيونهم تترقب كوكبًا بعيدًا. وبعد أن انطلقت المركبات الضخمة تحمل البشر إلى ملجئهم الأخير, امر أوميغا جميع الروبوتات على كوكب الإرث أن يدمروا أنفسهم فجأة:
“حسنا, لا جدوى من وجودنا الآن..3 …2…1…0..”
وفي مشهد مهيب يصف العدالة بشكل دقيق بدأت الروبوتات بالتعطل والانتهاء تماما عن العمل ليتبعها أوميغا بتعطيل نفسه والانتهاء أيضا!
أما البشر, فقد وصلوا إلى كوكب جميل يشبه الإرث وقاموا بتسميته الأرض. عاشوا عليه حياة جميلة ينحتون ذكرياتهم على الصخور الضخمة ويحاولون صنع مراكزا ومختبرات لعلهم يستردون بعض العلم وقاموا بتسميتها الأهرامات. وانتشروا في الكوكب الجديد لتصبح تلك الحكاية أسطورة العهد القديم لتتلاشى معالمها بالتدريج وينسى الناس وبقيت النقوش المرسومة بعد تطورهم معجزة علمية لم يجدوا لها أي تفسير!
,,,,,,, النهاية,,,,,,,
“أعلم أحبائي أن القصة خيالية, لكن القصة تقول لكم أن البشر وجدوا لأجل إعمار الأرض, فهي إرث آدم وذريته من بعده وأن الدمار مهما كانت شعاراته براقة, ليس حقا ولا يمت إلى العدالة بأي صلة, وأن استبدال الإنسان بالآلة, ما هو إلا فناء تدريجي يمحق الفن والمشاعر والحياة الاجتماعية وروح العمل الحالمة وكل ما هو جميل, لتحل مكانه أفكار معدنية تسلب من الحياة مذاقها ومن القلوب رونقها.”
زبيدة شعب
تستطيع زائرنا الكريم الحصول على العديد من القصص بصيغة PDF على متجر حلا ستوريز
انقر هنا للاشتراك في قناتنا تليجرام