قصة غول الجبل والخادم نجم
هناك على تلك الجبال الشاهقة حيث القرى المتناثرة عاشت إحدى القرى في أمان في ظل حاكم اتصف بالحكمة والذكاء.
كانت القرية واسعة تتخللها شلالات المياه العذبة وتزدهر فيها الزراعة. أشجار الرمان والخوخ والمشمش تغطي مساحات شاسعة منها حتى يكاد أهل القرية لا يجوعون.
قرية البساتين التي لا يكاد يمر بأهلها سائل ذليل إلا وعاد إلى أهله عزيزاً محملاً بالخير والعطاء.
كانت لتلك القرية قوانين صارمة وضعها الأمير حفاظاً على القرية وأهلها وعلقها على مداخل القرية ليتذكرها كل سكان القرية ويتربى عليها أطفالهم.
قصة غول الجبل والسائل الأعرج
كان الجميع يعيشون في سعادة ورخاء. وفي يوم من الأيام مر بالقرية سائل أعرج يطرق الأبواب يسأل أهل الديار العون والصدقة.
كان الناس يكرمونه بالعطاء ويغدقونه بالخير وكان السائل كلما مر ببيت من بيوت القرية سما نفسه باسم مختلف وروى لهم قصة مغايرة.
طرق البيت الأول وسما نفسه عريجان وقال لهم أن غولاً ضخم في أعلى الجبل قد أكل زوجته وخرافه فعاد من بعد الزواج أرملاً ومن بعد الغنا فقيراً معسراً.
بينما طرق البيت الثاني وسما نفسه خذيلان وقال لهم أنه كان أميراً لإحدى القرى حتى هجم غول الجبل الضخم على داره وخذله قومه وفروا هاربين!
فعاد من بعد الملك معدماً وعاد من بعد العزة ذليلاً ينشد عطف الناس ورحمتهم.
حتى وصل بيت رجل يدعى نبيه وكان نبيه أحد الضباط الأذكياء, وطرق بابه يغني أغنية الشقاء والفقر حتى خرج له نبيه من نافذة المنزل وسأله عن حاجته:
“هلا قلت لي حاجاتك يا هذا!”
فأجاب الأعرج وعيناه تفيض بالدمع:
” لطيمان الذي لطمه دهر أقسى من زبر الحديد…بموت الأهل في هجوم العبيد على السادة, فغدوت كما ترى من بعد القوة ضعيفاً ومن بعد السلطان طريداً شريداً “
نظر إليه نبيه بنظرة فاحصة ثم ناداه غير متيقن بما يقول:
“سم حاجتك”
ارتبك السائل قبل التسمية واحتار قليلاً ثم أجاب:
” الاستضافة يا خير مضيف”
هبط الرجل درج داره ببطء وكان يصدر صوتاً عالياً بأقدامه ليسمع السائل ويطمئن ولما فتح الباب, تفاجئ السائل أن من فتح له الباب كان الخادم وليس سيد الدار.
بينما ظل نبيه يراقب من شرفة الدار ردة فعله أثناء سماعه لصوت الأقدام! كان نبيه شديد الفراسة ذكياً متنبهاً لمحدثات الأمور.
دخل السائل يتلفت يميناً وشمالاً كأنه يحاول فحص كل ما حوله, فدله الخادم على غرفة الضيافة ورحب به واستأذنه ليذهب لإحضار الطعام.
لحظات مرت والضيف الأعرج يتمشى في الغرفة, يفحص كل شيء أمامه وينظر إلى مزرعة نبيه الكبيرة من نافذة الغرفة وإذا بنبيه يقف خلفه:
“أهلاً وسهلاً بك من ضيف عزيز”
ارتبك الأعرج الذي لم يبدو عليه العرج ثم استعاد عرجه سريعاً, وارتسمت علامات الذل في ذبول حاجبيه واضمحلال وجنتيه وتهدل شفتيه شقاءً وتعاسة.
واخذ يعرج بقدميه باتجاه الأريكة متذمراً:
“ايه يا زمن.. كنت سيداً مثلك لي قصر كهذا وأفضل.. وعبيد وجواري ومزرعة عظيمة المساحة خلابة المنظر، إذا دخلتها ظننتها جنة الفردوس على الأرض”
تبسم نبيه واقترب من السائل وصب له شراب الرمان من جرة كانت في يده وسأله:
“ما قصتك يا هذا؟ يبدو عليك الحزن وعلى ملامحك نقش الفاجعة!”
زاد ذلك السؤال من تمسكن الأعرج وأجاب بذلٍ ومهانة:
” لقد تمرد علينا عبيدنا وانضموا إلى غول الجبل المخيف وسيطروا على أملاكنا وقدموا له نعاجنا ومزارعنا قرابين الولاء فغدونا مشردين نطرق الأبواب نسأل الناس لقمة ونعمة..”
أخذ نبيه نفساً عميقاً ثم تناول طبق الطعام من الخادم وقربه لضيفه وعليه أطباقاً من اللحم واللبن والفاكهة اللذيذة ورحب به مبتسماً:
“تفضل يا كريم قومك وابشر بكرمنا”
سال لعاب الضيف الأعرج وهجم على الطعام هجمة ثائر منتقمٍ ينهش في اللحم نهش الذئاب فلاحظ نبيه أن أسلوبه في تناول الطعام ليس أسلوب سيد سبقت عليه النعمة وجرت العزة يوماً في عروقه.
اقترب منه وسأله:
” لماذا لم تدافعوا عن أنفسكم؟”
فأجاب الضيف وهو منشغل في نهش اللحم:
“حاولنا والذي نفسك في يده لكن الغول وجنده من العبيد تكاثروا علينا وجعلوا في كل سيد منا علامة في ساقه إذلالاً لنا بعد قتلهم لذوينا”
سكت نبيه قليلاً وظل يتأمل ضيفه الذي بانت عليه علامات التشرد وخصال اللصوص ومطاريد الجبل.
ولاح في مخيلته مشهد الضيف عند الباب وهو يحاول استراق النظر من ثقب صغير في الباب بينما كان الخادم متجهاً لفتح الباب له.
خرج السيد وهمس في أذن خادمه مبروك:
“أكرموا مثواه وارحموا بلواه واتقوا شكواه واحذروا خفاياه”
فهم الخادم واتجه إلى باقي الخدم وأخبرهم بأوامر السيد.
وفي اليوم الثالث غادر الأعرج دار نبيه بكرش منتفخة وجيوب دافئة من كرم نبيه وعندما وصل باب الدار ودعه نبيه بكلمات لم يفهمها:
“تاجر بما أخذته حلالاً, واستعد ماء وجهك ولا تريقه في عتبات الغدر والحيلة”
ابتسم الضيف ابتسامة مكتظة بالطمع والجشع وأجاب:
“سيد الكرام يأمر ومثلي يستجيب”
قصة غول الجبل وذكاء نبيه
واخذ يعرج بقدمه حتى ابتعد واختفى طيفه ونبيه يراقب تلاشيه وما أن اختفى تماماً إلا وتبع نبيه آثار خطاه في الرمل لتبدو خطوة منها غائرة في الرمل والأخرى سطحية الأثر وتلك خطوات أعرج بالفعل، حتى بلغ مفترق الطرق لتبدوا الخطوات واثقة غائرة في الأرض وتلك خطوات شخص طبيعي فتتبع الأثر أكثر.
وصل نبيه إلى منطقة بجانب الشلال ليجد ثياب السائل متروكة تحت إحدى صخور الشلال وأدرك أنه قد تنكر في غيرها.
كانت قوانين القرية تجرم من ينشر الأخبار والاشاعات وخاف نبيه أن ينبه أهل القرية من ذلك المحتال فيأخذه الحاكم بذنب تخويف الناس، فقرر أن يتريث ويصبر حتى يرى ما الذي يدبر له ذلك الشخص الغريب.
عاد الضابط نبيه إلى بيته محتاراً يفكر في طريقة يحمي بها القرية من هذا المحتال ومكره.
ويفكر بعمق في تلك القصة التي حكاها له عن قريته وعن غول الجبل المخيف وخطرت في باله فكرة ذكية.
طلب نبيه من خدمه الثلاثة التنكر في ثياب السائلين والمرور ببيوت القرية لجس راي أهل القرية فيما إذا قد مر عليهم سائل أعرج أم لا.
وفي صبيحة اليوم التالي، انطلق الخدم كل واحد منهم في اتجاه مختلف يمرون على الديار يشحذون الطعام والماء متنكرين في ثياب رثة.
وعند غروب الشمس أقبل الثلاثة يحملون عجيب الأخبار وغرائب الأسرار!
تقدم الخادم مبروك من سيده وأخذ يروي له ما اكتشفه من جولته:
“سيدي لم أمر بدار نعمة إلا وسألني صاحبه ما إذا كنت من القرية التي أكل الغول أهلها أم لا”
اقترب منه سيده وأسهب في التفكير قليلاً ثم سأل:
“وهل ذكروا لك أحد بعينه؟”
فأجاب مبروك مسلوب العقل من الشك والريب:
“وصفوا لي شخصاً أعرجاً اسمه عريجان أكل غول الجبل زوجته وخرافه.. لكني أكدت لهم أن القصة مختلقة, وأن غول الجبل مجرد حجة شحاذ لا أكثر”
اقترب نبيه من خادمه الثاني مسرور وطلب منه أن يروي ما عنده فدنا الخادم امتثالاً لأمر سيده و روى ما عنده متعجباً:
“لم أمر بدار نعمة وخير إلا وسألني صاحبها ما إذا كنت أعرف خذيلان أم لا..
وعندما سألتهم عنه، وصفوا لي شخصاً أعرجاً كان أميراً وخذله قومه وفروا هاربين من الغول الذي أكل أهله وذويه وسلب ملكه وماله”
اتضح الأمر لنبيه وتأكد أخيراً أن الرجل الأعرج قد تنكر في عدة شخصيات ليروج لإشاعة مخيفة في القرية تمهيداً لأمر في نفسه.
إذ أن الروايات مختلفة والغول واحد وبينما كان يحاول ربط خيوط القضية في عقله, أقترب منه خادمه الأذكى نجم وقطع خيط تفكيره:
“ألا تريد يا سيدي سماع ما بجعبتي من أخبار؟”
التفت إليه نبيه وفي ملامحه حيرة وتعجب وأذن له بالحديث فقال:
“سيدي لم أمر بدار نعمة إلا ومر بها لطيمان، وقد حذر أهلها من غول يهجم على الديار..
وقد وصفوا لي غول الجبل بأنه يهجم ليلاً يسلب الخراف ويقتل الأطفال وله أربعون ذراعاً وأربعون قدم!
سيدي إنها عصابة مطاريد تتكون من ثمانون رجلاً يمهدون لغزو القرية بنشر الرعب في أهلها وقد حدد لهم الأعرج بيوت النعمة”
ومع بزوغ شمس يوم الجمعة استيقظ أهل القرية على عوي من أعلى الجبل يشبه عوي الذئب, فأدرك الناس أن الغول قد اقترب من القرية وكثرت الإشاعات بينهم.
فمنهم من قرر الرحيل ومنهم من بدأ ببيع أملاكه لينجوا بصغاره.
زادت رجفة الاشاعات في القرية وتوسع نطاق الخوف والفزع, فانطلق نبيه إلى الحاكم وطلب مقابلته على وجه السرعة.
دخل نبيه على الحاكم وأخبره بكل ما يعرفه عن اللص الأعرج الذي دخل القرية وأثار فيها كل هذا الفزع:
“سيدي إن ظل الناس خائفين فلن يبقى في القرية رجل، وإن رحل الرجال الأغنياء قد يتقطع لهم القطاع خارج القرية!”
أدرك الحاكم أن لا مجال من نفي الإشاعات فقد انتشرت في القرية انتشار النار في هشيم الحطب.
لكن الحاكم كان حاكماً عبقرياً فقرر أن يتخذ من الإشاعات طريقة سهلة لإبقاء أهل القرية فيها ومنعهم من الخروج فأمر الجنود أن يطوفوا في القرية بإعلان غريب!
وفي صبيحة يوم السبت استيقظ أهل القرية على قرع طبول جند الحاكم في القرية وأحدهم يمسك بوقاً كبيراً يطلب من الجميع الحضور إلى ساحة القرية لسماع إعلان الحاكم المهم.
وفي الساحة الكبرى للقرية فتح الجندي إعلاناً وبدأ بقراءته على مسامع الحاضرين جميعاً:
“يا أهل القرية أن زعيم عصابة يدعى غول الجبل قد حاصر القرية من جميع الاتجاهات، يقوم بنهب كل من يخرج منها وقتله..
له جنود عرج، وقد قرر حاكم البلاد إرسال جيش عرممي إلى خارج القرية لقتل الغول وعصابته قبل دخولهم القرية.. وأنه لن يأتي يوم الجمعة
إلا ويقوم الحاكم بإعدام العصابة أمام الجميع في الساحة الكبرى”
زاد اللغط وزادت الاشاعات حول هوية السائل الأعرج في القرية وحول شخصية غول الجبل, وخاف الأغنياء من مغادرة القرية خوف تعرضهم للسلب والنهب.
وبلغ الأمر الغول زعيم العاصبة بأن حاكم القرية قد أعد له جيش لا قبل له.
وفي اليوم التالي عاد الجنود يجرون معهم رجلاً ضخماً مقنعاً وخلفه أربعون رجلاً مكبلين بالأغلال وأعلن الناطق بسم الحاكم بين الناس القبض على العصابة كاملة.
وأن الإعدام سيكون في الوقت الذي حدده الحاكم في ساحة القرية!
اطمأن الناس وعادوا إلى حياتهم الطبيعية بينما ظل جنود الملك يراقبون مداخل القرية ومخارجها فأقترح الخادم نجم طريقة للامساك بعريجان وعصابته على سيده نبيه.
وفي صباح اليوم التالي, مثل نبيه بين يدي الحاكم ليطرح عليه اقتراح خادمه نجم:
“سيدي لقد يأس زعيم العصابة من اقتحام القرية لكنه بالتأكيد لم ييأس من التقطع للداخلين إليها والخارجين منها.. فلا بد من طعم نرميه إليه من أجل الإيقاع به”
استمع الحاكم إلى ما يقوله نبيه ثم سأله للتأكد من ولائه:
“هل أنت مستعد للخروج على رأس الطعم يا نبيه”
أبدى نبيه استعداده للتضحية من أجل سلامة القرية ودوام عزها وخيرها فتأكد الحاكم من صدق نواياه.
وافق الحاكم على خطة نجم وأخرج قافلة مكونة من الجنود المتنكرين على هيئة تجار على رأسهم الضابط نبيه.
ولما وصلت القافلة أسفل الوادي تفاجأوا بأن عدد اللصوص كبيراً جداً وأدركوا أنه من الصعب أن يقاتل ثلاثون جندياً أكثر من مائة لص!
خلع نبيه رداءه ورماه في الأرض وتحدث بصوت عالٍ:
“مانحن بتجار وليس لدينا ما يسرق, نفاوض من أجل سلامة الجند و خذونا أسرى إن شئتم”
أشار نبيه لجنده فرفعوا أيديهم واستسلموا ولكنهم تفاجأوا بزعيم العصابة الملثم يأمر بقتلهم!
وبمجرد أن هبط اللصوص لقتل الجنود, جرد الجنود أسلحتهم للدفاع عن النفس غير مباليين بكثرة عدد اللصوص.
وفجأة, ظهر جنود لا عد لهم من كل حدب وصوب وأحاطوا باللصوص من جميع الاتجاهات وقتلوا من قاتل وأسروا من استسلم.
وجروا اللصوص في الأغلال كما تجر النعاج إلى الحاكم وفي يوم الجمعة, تم رصهم في ساحة القرية لينالوا العقاب الرادع.
وبينما كان نبيه يقف مسروراً بذكاء خادمه نجم ينتظر قدوم الحاكم, تفاجئ بعسكر الحاكم يجرون نجم في الأغلال ويقومون برميه في ساحة الإعدام مع اللصوص!
اقترب نبيه من قائد الجند متعجباً:
“ما هذا الذي أراه يا حضرة الضابط”
وضع الضابط يده على كتف نبيه وأجابه بجدية:
“أنت رجل وطني وطيب وخروجك على رأس القافلة دليل على نقائك، لكن خادمك هذا هو زعيم العصابة وهو الغول
ذو الأربعين ذراعاً, وهو من سرب أسرار القرية إلى الخارج, أما خطته تلك فكانت واضحة للحاكم وضوح الشمس في كبد النهار”
صعق نبيه بالخبر وسأل قائد الجند بحيرة مطلقة بعد أن شعر أن فراسته خانته هذه المرة:
“وكيف اكتشفتم ذلك؟”
فأجاب قائد الجند:
“لا يود رمي الجنود خارج القرية إلا من يريد قتلهم بالتدريج حتى يتم استنزاف جيشنا كاملاً ثم تبقى القرية خالية من المقاتلين..
أدرك الحاكم أن خادمك نجم جزء من لعبة الترويع بل أنه المدبر الأول في القرية, فأمر بالقبض عليه فور خروجك على رأس القافلة”
واحتشد أهل القرية لحضور التنكيل بالغول الهزيل وعصابته الوهمية في الموعد الذي حدده الحاكم, في ساحة القرية وعاد إلى القرية أمنها وسلامها وتم تعيين
نبيه الرجل الوطني الصادق وزيراً للحاكم…
تأليف / زبيدة شعب
الان القصة متوفرة في ملف PDF في المتجر انقر هنا للاطلاع
منصة حلا لقصص الاطفال تنصح ايضا بقراءة القصص الآتية:
انقر هنا لقراء قصة الجني الأزرق مع الجني الأحمر
انقر هنا لقراء قصة رواد الفضاء الثلاثة ( متجر)
الهدف من القصة هو أن الاشاعات ونشر الذعر يفسد حياة الشعوب وأن العدو هو أكثر المستفيدين منها وقد يكون أحياناً متخفي وقريب منا.
قصة غول الجبل – قصة الخادم الذكي – قصص المراهقين – قصص لسن 12 – قصص لسن 15